عود الثقاب
في أحد الطرقات .. و القرية غارقة في هدوءها .. والعتمة تخيم عليها .. مع إيقاع خطواته الغير منتظمة .. كان هناك شيئاً ما يرغمه ويرغبه في تكرار المحاولة .. لعلّ الحظ يكون حليفه هذه المرة.
طرق الباب طرقة خفيفة .. انه يسمع صوت ضجة بالداخل .. لكن لا أحد يرد .. قرر أن يقتحم المكان .. وبسرعة شديدة ضرب الباب بشدة حتى انفتح .. عَلْت الضحكات و القهقهات .. وقف مندهشاً للحظة .. ثم صرخ قائلاً: أين هو؟ أين عود الثقاب؟؟.
وقف الجميع .. لكنه أخذ يبحث في عصبية شديدة .. و هو يصرخ و يقلب الوسائد .. و الأواني .. السجاد .. الدواليب .. الأسرة و كل شيء و الجميع في دهشة حائرون.
(أعطني مفتاح السيارة الآن) .. بهذه الكلمات نطق أخيراً بعد أن أعياه الصراخ والبحث المضني .. أمسك بمفتاح السيارة .. و أسرع بالخروج .. تاركاً الباب خلفه مفتوحاً.
و هنالك قرب أحد الأماكن المخصصة لشرب الشاي .. توقف .. وجلس في كرسياً وخطب الجمع المتهالك على الكراسي قائلاً: (أيها السادة إن عود الثقاب هو الجوهر الحقيقي الذي يجب أن نتناوله ونجعله أساساً بيننا أفراداً وجماعات .. و أن الحقيقة عندما تغيب تضحى بعداً غير ملموساً و لا محسوساً حينئذ تنفتح أبواب النفاق و الكذب و الرياء.
وأن عود الثقاب في تلك اللحظة يغدو ضرورة حتمية و مطلباً أساسياً) ..
و الجميع آذان صاغية .. لا أحد يسأل .. و الصمت يزداد في مساحته .. فجأة يكتشف إطار السيارة به ثقباً مما جعل الهواء يتسرب منه. إذن لا فائدة من أن يقفل السيارة ويذهب لملء الإطار بالهواء.
وبعد ذلك ذهب إلى شاطئ النيل و أخذ ينظر .. وبعد قليل نزل المطر .. و أخذ ينتظر وقوف المطر .. ونباح الكلاب يشق أستار الليل .. لم يستطيع النوم .. فأخذ بعض الحصى من قرب الشاطئ و أخذ يرمي تلك الحصى واحدة تلو الأخرى في النيل .. فتئن المياه وتَفِرُ بضع سمكات كانت تتسامر .. وأشعة القمر الفضية .. من جديد ومن داخل السيارة تلك .. أدخل يده في جيبه ليجد أن شيئاً ما قد اختفى .. أخرج علبة ثقاب ليضع بداخلها مفتاح السيارة .. نظر من خلال ثقب ليجد أن النيل يتلوى و الدماء تتناثر في الشاطئ .. يكاد يرى و لا يرى!! ..
حينئذ أخرج عود الثقاب من بين صفحات كتابه وأشعله في حينه .. ليجد أن الشمس قد أشرقت .. وعلى شاطئ النيل وردة حمراء ندية.
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)