ما يزال الخلخال المصري القديم يحيط بأقدام العجائز النحيلة يتشبث كلاهما بالأخر في إعلان غير صريح لكليهما برفض مغادرة الزمن الجميل.
تقول (ست أبوها)90 سنة الخلخال زمان كان له وزن وقيمة ولا توجد عروس يتم فرحها إلا إذا جاءها الخلخال من عريسها ذهباً كان أو فضة كل حسب امكانياته وتضيف زمان كانت المرأة لا تظهر بدونه وإلا بدت عارية من كل زينة حتى لو لبست اي عدد من الأساور والخواتم.
وتقول كتب التاريخ أن السادة والعبيد وأميرات القصور ووصيفتهن في عصر الأسرات الفرعونية قد لبسن الخلخال في القدم وكان مصنوعا من الذهب ومطعما بفصوص الأحجار الكريمة والنصف كريمة أما الطبقات الدنيا فلبسته من النحاس.
وقد وجدت كلمة خلخال منقوشة على برديات فرعونية كانت عقودا لزواج وتعني الكلمة (يذبح) كما لبسه الرجال أيضا في عصر الأسرة الرابعة إلا أنه كان من الخشب أو العاج وكان له رأسين احدهما على شكل ثعبان والأخرى أسد. وهو أيضا موروث جاهلي وان كان وقتها صماء اي (بدون جلاجل). وفي حكمة للخليفة الراشد علي ابن طالب كرم الله وجهه (استجدوا النعال فإنها خلاخيل الرجال) بما يعني التميز للمرأة ووجوده أنذاك. وتتباهى النساء في ريف وصعيد مصر بثقل وجلاجيل خلخالها وقد كثر الغناء عنه: (يا خال كبر خلخالي وانا بنت اختك ومهري غالي) في كناية عن وصول الفتاة لسن الزواج ولفت نظر الخال لذلك كما جاء الاوبريت المشهور (رنة خلخال) ليجسد الرقص النوبي الذي كان الخلخال احد عناصره الأساسية.
ويمكننا القول أن الخلخال زمان كان يقوم بالإعلان عن المرأة متجاوزا المساحة الضيقة الممنوحة لها من قبل المجتمع فأمام الحكم عليها بالبقاء في خدرها وسع الخلخال مساحة الحضور عبر رنين صوته أما الآن فما حجة بنات عصرنا وقد قمن بالإعلان من دون اي واسطة ما هي حجتهن في العودة إليه وقد انتعش ظهوره مع ظهور موضة (البرمودا) البنطلون القصير لكنه اختلف و اخذ شكل سلاسل رفيعة أو عناقيد فضية صغيرة إلا أن ظهوره هذه المرة كان في أقدام الراقصات والطبقة المترفة فقط في الحفلات واللقاءات الاجتماعية والجامعة وعندما توجهن بالسؤال لعدد منهن لماذا العودة وماذا تعني توقعنا أن يكون في الأمر إحياء تراث إلا أن الإجابة كانت بلا إجابة.
مواقع النشر (المفضلة)