بعد أن عادت إلى منزلها من الكلية التي تبعد مسافة لا بأس بها .. هرعت إلى الهاتف الذي كان يرن
لأنها تعلم أن هذه زميلتها التي تحبها اتصلت كالمعتاد لتطمئن هل وصلت أم لا
رفعت السماعة من مطبخ المنزل .. و هناك سماعة أخرى داخل المنزل رفعت أيضاً ..
أجاب الصوت .. مات ..
و التي كانت على الخط الآخر خالتها .. ليس معتاداً زيارتها ظهراً ..
قاطعت المتصل من هو ..
أجاب المتصل : أحمد ..
علمت أن أخيها مات في حادث سير أثناء ذهابه لهجرة يدرس بها ...
حاولت أن تتحامل و تمشي وهي تكبر في المطبخ .. سمعت تكبيرها زوجة خالها .. حاولت أن تهدئ روعها ..
جاوبتهم الحمد لله الحمد لله الحمد لله إلى أن وصلت لدورة المياه .. توضأت
أخذت تصلي ...
و بعد الانتهاء من صلاتها كان آذان المغرب .. صلت ..
ذهبت لغرفته ..
أخذت تجمع ملابسه .. لكي تخفي معالمه عن أمها التي كادت تبدي به لولا أن ربط الله على قلبها لأنه الأكبر من أبنائها ..
و لكي تتصدق بها ليرفع الله بها درجته ..
انتهت في جمع ما في غرفته و أنزلته ..
الجميع مشدوه لم تبك بعد .. لعلها .. فاقدة الوعي ..
بقي شيء واحد من ما يخصه إنه فراشه .. رفعته ..
وقعت عينها على ورقه صغيره ورقة سحب مبلغ مالي من مصرف الراجحي ..
وجدت خلفها .. شيء مكتوب ..
فردت الورقه لتقرأه ..
كان بيت من الشعر قد كتبه فقد كان شاعراً .. محتواه
لِيَبْكِهِم كلَّ بكاءٍ فإنهمُ .....من خشية الله ذي الإجلال بُكَّاء ..
صعقتها العبارة .. سقطت .. لم تفق إلا من مغرب الغد في الإسعاف ..
وهي تسمع آذان المغرب يؤذن .. و تصرخ في وجه أخيها اذهب فصلِّ بجماعة مسجده .. أدرك الطبيب سوء حالتها و أعطاها إبرة منومه ..
ليهدئ وضعها ..
انتهت أيام العزاء .. كانت تصبر نفسها و أهلها .. وتعلم .. أن لله ما أعطى و له ما أخذ ..
بعد عشرين يوماً ظهر اسمه في مجلة في السوق في آخر صفحة كان عنوان الصفحة : ( و العود أحمد ) و تحتوي على قصيدة مرثية من إنشاءه يرثي بها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله الذي توفي قبله بعشرين يوماً و هي عبارة عن قصيدة مكملة للبيت الذي وجدته في الورقة تحت مفرش سريره ..
و جاءت أبيات القصيدة لها .. كالمطر فقد كانت عبارة عن تهنئة أكثر من كونها رثاء و عزاء .. و هذه هي بقية القصيدة :
يقضي الإله و ما للخلق ما شاءو
بالموت وهو لأهل البر رحماء
فإن يمت كل ذي دين و أهل تقىً
فالموت للبرِّ عند الله إحياءُ
و إن تكن أفلت شمس فإن لها
نور على الأرض في الإظلام وضاء
شمس من العلم ما شمس النهار لها
قرنٌ إذا امتزجت في الكون أضواء
و إن يكن مات قبل اليوم عالمنا
فالله ذو جنة تشتاق غنَّاء
و إن يكن غاب قبل اليوم كوكبنا
فإنه كان للرحمن رجَّاءُ
و الله أعظم من يرجى و أكرم مو
لى فضله لأولي الإحسان مشَّاء
قدرت يارب أمراً لا اصطبار له
تكاد من هوله تهتز أرجاء
و لا اصطبار لنا إلا بلطفك إن
صبرتنا كان للشدات إرخاء
فقبض أرواح أهل العلم معضلة
تَقَّطع الأرض و الأكباد لأْواءُ
فهم نجوم و هم شمس إذا أفلت
لا يستقر لها في الأرض جهلاء
و هم على الأرض أوتاد ثبات وهم
لطلسم الظن و التشكيك قراء
وهم على الأرض ورث الأنبياء وهم
إن يحبس الماء للأرواح إرواء
لو كان يجدي البكاء إذن بكيتهم
و إن خسرت عيوناً ما بها ماء
ليبكهم كل بكاءٍ فإنهم
من خشية الله ذي الإجلال بُكَّاءُ
و رحمة من رحيم بالملا قسمت
يمتاح من فيضها موتى و أحياءُ
إن يظلم البدر من خسف فعالمنا
أنواره إذ قضى في الأرض زهراءُ
و ذكره فاح مثل الطيب أصورة
و هديه لمريد الحق جوزاء
و خلقه من هدى القرآن مولده
و صدره لبحار العلم بيداء
و ثوبه طاهر الأدران مشتمل
لعالم نفسه كاالماء صفواء
و كان من فوق عرش العلم مجلسه
و لا تنازعه في العلم أهواء
و قوله يُجتنى من حسنه ثمر
و كفه من مداد العلم بيضاء
و وجهه فيه نور يستضاء به
و أعين الناس من رؤياه نجلاء
يا أيها العالم الميمون كان لنا
في ظل علمك واحات و أفياء
فهل نرى لك في الباقين من خلفٍ
في وجهه منك أنوار و أفياء
لا و الذي ملأ الدنيا بعلمك واز
دانت بعلمك أفاق و أحياء
فإن يكن فإله الخلق أقدر من
يُمضي الأمور و ما للخلق ما شاءو
منقوووول
مواقع النشر (المفضلة)