فستان الزفاف، حلم جميل لكل فتاة راغبة في دخول عش الزوجية ويكاد يأخذ الحيز الأكبر من اهتمامها ووقتها في غمرة استعدادها لأبرز وأهم محطة في حياتها. ويبدو ان هذا الحلم مستمد من قدم وتاريخ فستان الزفاف الذي يعد لدى العديد من المجتمعات المنتشرة على الأرض طقسا وتقليدا مهما، فارتداء ثوب خاص في يوم الزفاف لايزال متبعا، فلا اختلاف على تلك المسألة من حيث الجوهر بل الاختلاف يكون في الشكل غالبا.
السبب وراء انتشار فكرة فستان الزفاف يعود الى التغيير الذي طرأ على تفاصيل الطقوس المتعلقة باللباس وتحديدا لباس الزوجة حيث تأثر شكل فستان الزفاف بالموضة والصرعات التي طبعت أزياء الشعوب، لكن فستان الزفاف ظل محتفظا بلونه الأبيض لعقود طويلة قبل ان يتلون ولو بخجل في بعض التصاميم الجريئة ضمن عدد محدود من الأعراس منذ فترة ليست طويلة، فعلى سبيل المثال ارتدت امرأة فستان زفاف أسود لتذكر أهلها الذي ماتوا في الحرب العالمية الأولى وارتدت عروس في عصر الحرب بدلة عسكرية لزفافها وهي نفس بدلة عريسها.
وفستان الزفاف الذي كان في الماضي مجرد كومة ضخمة من القماش المزركش المطرز التي تمتزج فيها الخيوط الذهبية بالفضية وتزينه الاحجار الكريمة، والذي كانت تغرق فيه العروس من دون ان يظهر منها سوى وجهها أو بعض منه تحديدا لدى طبقة معينة من المجتمع، لم يكن كذلك بالنسبة لفئات كثيرة أخرى إذ لم يكن إلا مجرد نسخة هزيلة مقارنة مع تلك الفساتين الفخمة حيث كانت صاحبته تكتفي ببعض الزركشات والبلورات الزجاجية الملونة ذلك في الوقت الذي كان فيه هذا الفستان لدى الشعوب والمجتمعات الأخرى عبارة عن ثوب جديد تمت خياطته لهذه المناسبة حصرا بغض النظر عن مسألة تصميمه أو شكله.
إجماع على اللون الأبيض
ولم يكن اللون الأبيض في البداية هو لون فستان الزفاف بالنسبة للعروس، إذ كان النساء قبل القرن التاسع عشر يرتدين أجمل ملابسهن للزفاف مهما كانت ألوانها. فعلى سبيل المثال تميز لون فستان العروس في روما القديمة باللون الأصفر، لكن يبدو ان الإجماع على اللون الأبيض بالنسبة لهذا الثوب كان شبه شامل على خلفية المعاني التي يحملها ذلك اللون الذي يعتبر رمزا للطهارة والصحة والنقاء بل والعذرية منذ قرون عدة، فيما كان التمييز واضحا بالنسبة للأزياء والتي كانت ترتبط الى حد كبير بالمستوى الاجتماعي أو الطبقة الاجتماعية للأشخاص، وكانت التصاميم تتم في نطاق محدد بحيث يعكس ثوب الزفاف، الثراء الذي يتمتع به العريس أو أهل العروس مما حد كثيرا من فرص شيوع أزياء الزفاف جراء عدم وجود بيئة اقتصادية تسمح بوجود وسط وتصاميم معتدلة يمكن ان تتناسب مع اكبر نسبة من الشرائح المكونة للمجتمع.
وتشير الدراسات ان الأمر بقي على حاله حتى القرن السادس عشر وبداية السابع عشر حيث ظهرت ملامح تبدل الازياء بصفة عامة بما يشبه ما يمكن ان يطلق عليه “الموضة” وفقا للمفهوم الحالي للكلمة، قد شمل هذا التبدل ثوب الزفاف أو ذلك الفستان الأبيض الذي أصبح ملازما لاحتفالات الزواج في معظم دول اوروبا وبلدان أخرى.
أسلوب جديد
وفي العام ،1840 ارتدت الملكة البريطانية فيكتوريا فستانا ناصع البياض في زفافها واحدثت وقتها صدى كبيرا وسط الناس، حيث قلدها الكثيرون من سكان بريطانيا. وفي العشرينات من القرن الماضي، بدأ الشباب يغيرون كل شيء وتركت العرائس الجريئات الملابس التقليدية غير المريحة واخترن الفستان الأقصر طولا والأخف وزنا.
وفي الثلاثينات، بدأ انتشار أسلوب جديد لفستان الزفاف حيث بدأت العرائس يلبسن قبعات صغيرة مع طرحة زفاف بيضاء وفي العام 1937 عقد الأمير البريطاني اودارد الثامن الذي ترك العرش البريطاني، قرانه على امرأة امريكية مطلقة من عامة الناس تسمى واليس سيبون وظهرت وقتها العروس أمام الصحافيين في فستان ازرق سماوي بأسلوب بسيط صممه مصمم أمريكي كبير وقد بيعت بضعة ملايين فيه في الولايات المتحدة واطلق الناس على لون الفستان “ازرق واليس”. وأوحت نجمات السينما ايضا الى الناس بأفكار فساتين الزفاف، ففي ابريل 1956 أقيم زفاف جذب أنظار الناس في إمارة موناكو، حيث غادرت النجمة السينمائية الامريكية جريس كايلي هوليوود للتتزوج من أمير موناكو رينيه الثالث، فقد ارتدت جريس فستانا له ياقة مزررة الى العنق وطرحة زفاف مزخرفة، فلقيت ترحيبا حارا من الجمهور وانتشر هذا النوع من فساتين الزفاف واشتهر وسط الناس حتى اليوم.
معارضة الزفاف التقليدي
وفي ستينات القرن الماضي بدأ الشباب يرفضون الملابس التقليدية المتشابهة وعارضوا الزفاف التقليدي ودعت بعض العرائس الى العودة الى الطبيعة وأقمن زفافهن في غابة أو على شاطئ البحر، ونسجن فساتين زفافهن بمادة نيلون، حتى وصل الأمر الى ارتداء بعضهن بنطلونات جينز في يوم زفافهن. ومثل تاريخ البشرية، اجتاز فستان الزفاف تغييرات لا تحصى في القرن العشرين، ولكن رغم كل هذه التغييرات ومعارضة التقاليد، مازال هذا الفستان الأبيض له جاذبية ساحرة وغالبا ما ترمز فساتين الزفاف البيضاء الناصعة الى الحب الرومانسي الخالد. ويفسر مؤرخو الأزياء ان اللون الأبيض لفستان الزفاف يعود بشكل رئيسي الى حقيقة مفادها ان معظم المعاطف التي كانت منتشرة في القرن التاسع عشر، كانت بيضاء اللون حيث كان هذا اللون رائجا آنذاك، ولكن في العام 1813 ظهر أول زي لثوب وطرحة بيضاء اللون على صفحات المجلة الفرنسية “جورنال دومدام” ذات الشهرة الواسعة، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لايزال اللون الأبيض هو لون فستان الزفاف عامة.[/color]
مواقع النشر (المفضلة)