ريحانــــة البتـول
فاطمة وزوجها صادق، لم يحتفلا بعد بعيد زواجهما الأول، لكن الله أمر أن تحمل فاطمة بطفلتها الأولى التي ستكون باكورة زواجهما. اتفق صادق مع زوجته على أنّ «ريحانة البتول» سيكون إسم طفلتهما، واشتريا لها "دبدوبين" كبيرين وسرير خشبي صغير، وجهزا لها غرفتها الخاصة في عشهما الزوجي.
كانت الفرحة لا تسع فاطمة وصادق، اليست إبنتهما الأولى، فاطمة المنتظرة ذلك الشعور بالأمومة بفارغ الصبر، ابنة الستة عشر سنة ستصبح أماً بعد أيامٍ معدودة.
بعد أقل من أسبوع على موعد ولادة "ريحانة"، حسب الموعد المحتمل من قبل الطبيب، جهزت فاطمة حقيبة طفلتها، وأدت صلاتها، وانطلقت من منزلها إلى الدكان المقابل لتجري مكالمة هاتفية مع زوجها للإطمئنان عنه، أنهت المكالمة وحمدت الله على سلامة شريك عمرها، ووالد ريحانتها. عادت إلى منزلها لتنتظره، لكنها كانت على موعدٍ قاسٍ مع القدر، وما أن خطت قدمها الخطوة الأولى خارج الدكان حتى دوى إنفجارٌ كبير على التلة المواجهة.
والدة فاطمة هرعت لتقف على نافذة منزلها المقابل لمنزل إبنتها "أم ريحانة" فرأت ضوءاً يسقط من السماء باتجاه منزل فاطمة، وأحست بشهب نارٍ يحرق قلبها، ودون أن تعي ما تفعل، صرخت بأعلى صوتها: فاطمة!!!
وصل صادق، سمع صوت الإنفجار، هرع إلى مكان النار المشتعلة، صرخ "فاطمة! " وجد باب المنزل مخلوعاً، فتش عنها، مشى يميناً، مشى يساراً... ترى أين فاطمة؟ سأل نفسه!.
فاطمة وريحانة بين الركام، وإلى جانبهما العديد من الشهداء أبناء البلدة، أما فاطمة لم تكن ارتفعت إلى مصاف الشهداء بعد، إنتشلها من بين الركام وهي تئن من أواجاع جراحها، طلب منها أن تكلمه، أن ترد عليه، لم تتمكن من ذلك، كانت تئن فقط، طفلتها خارجة من بطنها دون حراك.
وصلت أم ريحانة إلى المستشفى قبل أن تسلم الروح، طلبت رؤية أمها وأبيها، وريحانة البتول خرجت إلى الحياة ميتة دون أن تحظى بفرصة النوم في سريرها الخشبي الصغير، ولا أن تلعب بدوبدوبيها الكبيرين، ولا أن تلبس ثيابها التي وضبتها لها أمها فاطمة.
صادق في غرفة نومه وحيداً مرتجفاً، وفي عينيه شيءٌ يلمع، وهو ينتظر الحياة التي كانت ستعم بيته بولادة ريحانة البتول، وعودة فاطمة من المستشفى بعد الولادة. تقع عينيه على صور فرحهما وقد نثرها على السرير الذي لم يشهد ذكرى الأولى لزواجه، التي سبقتها الشهادة بأيامٍ قليلة.
بعد أن اصبح السرير الخشبى الذى كان يوما مصدرا للسعادة المشوبة بالأمل الجميل ، فأصبح مصدرا للألم والأسى "لصادق" كلما نظر إليه .. وفجأة .فك أخشابه .. وفى مشهد جنائزى مهيب ؛ حمل تلك الأخشاب بين يديه .. وبجانب قبر فاطمة وريحانة حفر بأصابعه حتى أدمت .. واودع أخشابه ..
مواقع النشر (المفضلة)