البداية والنهاية
على قمة ترابية خضراء من روابي الجبال النائية، الناعمة بهدوء الطبيعة الإلهية، الغافية على كتف الزمان، بعيدة عن ضوضاء المدينة وضجيجها، يتربع منزل صغير، جميل الهندسة، يتوجه القرميد الأحمر، وتحيط به الأشجار المثمرة على إختلاف أنواعها من كل جانب.
تصحو سيدة المنزل الريفي في كل صباحٍ باكراً مع زقزقة العصافير، تحضر قهوتها وترتشفها على الشرفة المطلة على الوادي لتمتع ناظريها بجمال الطبيعة الخلاق الذي لم تعبث به أيدي البشر، وما زال على الصورة التي رسمه بها الخالق.
سيدة في العقد السادس من العمر، تعيش في عزلتها الريفية وحيدة، حيث سبقطها قطار الزواج.
أستاذة جامعية متقاعدة، جلست ترتشف قهوتها ونسيم الصباح يداعب وجنتيها مع هدوء المكان الذي يناجي خيالها، وترانيم الطيور الموسيقية تحاكي صور الماضي البعيد في ذلك الخيال المتعب من ضوضاء السنين في الطريق الذي سلكته لحين الوصول إلى أعلى المراكز.
أخذت تحدث نفسها:«نجحت، تقدمت في كل سنة من سنوات العمر، حققت النجاحات في المجتمع، كل دقيقة من يومياتي كانت تأتي عليَّ بالربح... زرت العالم... نسيت، لم أتذكر إلا حين شعرت بأنني لا يمكنني العودة إلى الوراء... إنتصارات... نجاحات... لحظات سعيدة... كلها ذهبت مع ريح الوحدة التي أعيشها اليوم في أواخر العمر!!!
تقاعدت... وما هي إلا سنين قليلة تعد نسيني الجميع في غمرة إنشغالهم في الحياة... وبقيت أنا وحيدة أصارع الأيام والملل والضجر...
ما أتعس حياتي دون أن أسمع من يناديني أمي...
أشياءٌ كثيرة إهتممت بها في حياتي وأعطيتها أكثر مما يجب، ونسيت حياتي كإمرأة وإنسانة، مما جعلني اليوم أقبع وحيدة...
النجاح والشهرة أين هم الآن، أين هم ليطردوا وحدتي، مللي، عجزي؟؟؟...».
فجأة ومع تحسس قطتها بها إنتفضت، وعادت إلى وحدتها ترتشف قهوتها على شرفتها تنتظر النهاية التي لا رفيق فيها، عكس البداية رغم عجز الطفولة التي نجد من يرعاها ليأخذ بها ويشتد عصبها في الحياة...
مواقع النشر (المفضلة)