السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كانت قرية عراقية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها ألفا ومائتي نسمة والقابعة
على نهر أبوفلوس من شط العرب ، على موعد مع شاعر مرهف الحس
ذاق من عذابات الحياة الكثير غير أنها ما زادت كلماته إلا رنينا في أذن من
استمع إليها أو من تابعت عيناه انسيابها في إحدى قصائده المعبرة .. إنه
بدر شاكر السياب صاحب القصائد الجميلة ..
سافر السياب إلى إنجلترا لأول مرة والمرض يكاد يقعده، وتوجه
إلى مدينة درم، وهو شديد القلق والمخاوف على حالته الصحية . درم مدينة
جبلية صغيرة، ابتنت شهرتا على وجود جامعة فيها هي من أفضل الجامعات
البريطانية، غير أنها مدينة يلفها الضباب في معظم أيام السنة، ولقربها من
مناجم الفحم المحيط بها من كل صوب، يشتد فيها الضباب قتاما أيام الخريف
والشتاء لدرجة الكآبة واستقل بدر قطاراً عائدا إلى مستشفي في لندن، حيث
نظم شعرا كثيرا يحمل بعض ما أحس به من كآبة في تلك المدينة الصغيرة
ومن أبرز ما كتبه في هذه الفترة سفر أيوب ولك الحمد ، ومن الثانية
نستمع إلى صوته الحزين يردد :
لك الحمد مهما استطال البلاء
ومهما استبدّ الألم
لك الحمد، إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تُعطني أنت هذا الظلام
وأعطيتني أنت هذا السّحر؟
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتغضب إن لم يجدها الغمام؟
*****
شهور طوال وهذي الجراح
تمزّق جنبي مثل المدى
ولا يهدأ الداء عند الصباح
ولا يمسح اللّيل أوجاعه بالردى
ولكنّ أيّوب إن صاح صاح:
لك الحمد، إن الرزايا ندى
وإنّ الجراح هدايا الحبيب
أضمّ إلى الصّدر باقاتها
هداياك في خافقي لا تغيب
هداياك مقبولة. هاتها
*****
أشد جراحي وأهتف
بالعائدين:
ألا فانظروا واحسدوني
فهذى هدايا حبيبي
جميل هو السّهدُ أرعى سماك
بعينيّ حتى تغيب النجوم
ويلمس شبّاك داري سناك
جميل هو الليل أصداء يوم
وأبواق سيارة من بعيد
وآهاتُ مرضى، وأم تُعيد
أساطير آبائها للوليد
وغابات ليل السُّهاد الغيوم
تحجّبُ وجه السماء
وتجلوه تحت القمر
وإن صاح أيوب كان النداء:
لك الحمد يا رامياً بالقدر
ويا كاتباً، بعد ذاك، الشّفاء
أخوكم :
خالد
مواقع النشر (المفضلة)