5 مرفق
اقوى واجمل سيارة بالعالم .
نموذج كاديلاك سكستين
منافسة أميركية حقيقية هذه المرة
لسيطرة الألمان وتوسع اليابانيين
لم تكن الغيبة قصيرة، قبل عودة السيارات النفيسة العليا super luxury مع موديل مايباخ Maybach الذي أطلقته مرسيدس-بنز حديثاً جداً، في إخراج بلغ من الأناقة والغنى التقني ما أعاد الى مفاهيم الـ"رولز رويسية" التقليدية بعداً إفتقده زبائن هذه السيارات منذ عقود عدة.
وها هي رولز رويس Rolls-Royce تطل بدورها اليوم، في حلتها الألمانية تقنياً (تملكها بي إم ف)، ولو كان التصميم الخارجي إنكليزياً، شأنه شأن المقصورة الإنكليزية التلبيس. بعضهم شبهها بدبابة، وبعض آخر لا يزال يبحث عن طريقة للتعوّد على مظهرها وتبرئتها من تهمة التكلّف.
ثم جاءت كاديلاك سكستين Cadillac Sixteen.
لم تأتِ الأخيرة في حلة إنتاجية، بل كنموذج عرض في ديترويت في الشهر الماضي. لكن أي نموذج!
فقد مضت أعوام وعقود منذ أتحفت كاديلاك العالم، لا زبائنها وحدهم، بروعة الهوية التي عرفت بها موديلاتها حتى أوائل السبعينات.
قد يسهل تصميم كوبيه أو كابريوليه أو رودستر، أو حتى سيدان ديناميكي، في مظهر يصعب تحويل الأبصار عن جاذبيته. لكن ان تصمم سيدان من الفئة النفيسة العليا، تلك المخصصة لزبائن مستعدين لدفع أكثر من ربع مليون دولار لإقتنائها، بجاذبية كتلك التي خرج بها نموذج كاديلاك سكستين Sixteen، فتلك معادلة لا يتقنها إلا خبراء قليلون جداً... مثل بوب لوتز Bob Lutz، نائب رئيس مجلس إدارة كرايلسر كوربورايشن سابقاً، والذي ضمته جنرال موتورز GM مطلع أيلول (سبتمبر) 2001، لتنشيط صورة ماركاتها وموديلاتها المختلفة.
هل ينتج نموذج كاديلاك سكستين؟ رسمياً، لم يعلن القرار بعد.
لكن أي ناظر الى النموذج لن يتردد لحظة واحدة في إعتبار التفكير طويلاً بالأمر، من الأخطاء التي قد يعاد تذكير جنرال موتورز بها لسنوات كثيرة. ومن يذكر موديلات كاديلاك منذ عقود قليلة يدرك فوراً بأن هذا هو ما تحتاج إليه كاديلاك تحديداً، لا لزيادة حجم مبيعاتها على النحو الذي يمكن أن تتقنه موديلات مثل إسكالايد Escalade الترفيهي الرياضي، أو كروسوفر إس آر إكس SRX، أو سيدان سي تي إس CTS، بل لإعادة صورة الماركة الى موقعها الطبيعي.
طبعاً، يمكن لكاديلاك أن تسعى الى منافسة الألمان في قطاعات سي تي إس CTS، واليابانيين وغيرهم مع إس آر إكس SRX وإسكالايد Escalade، لكن أي موديل لن يمنح صورتها قوة "إشعاع" ماركتَي مرسيدس-بنز وبي إم ف، إلا إذا...
... إلا إذا أصابت الماركة الأميركية أخيراً صميم صورة الفخامة على النحو الممكن تحقيقه بموديل مثل سكستين. فمن يقول مثلاً بأن طول النموذج الذي يظهر برشاقة كوبيه ونعومته، لا يقل عن 5.73 متر، بعرض 2.03 متر، مع قاعدة عجلات مقياسها 3.556 متر؟
بل يذهب نموذج سكستين الى أبعد من ذلك بكثير، إذ حل صعوبة معادلة "الفخامة" بجاذبية تفوق ما حققه الألمان مع مايباخ Maybach، من دون التحدث عن رولز رويس فانتوم التي ترقى، بطبيعة الحال، الى ما يغنيها عن "تفاهات" الجاذبية.
فنموذج سكستين مثلاً لم يلجأ لا الى الإختلاف ببابين خلفيين يفتحان في الإتجاه المعاكس، مثل رولز رويس فانتوم، أو حتى الى طلاء خارجي مزدوج. نقاؤه التصميمي المطعم بلمسات اللماعية الفخمة في عجلاته وفي فتحاته الجانبية أمام البابين، وفي غياب اي عمود بين البابين الأمامي والخلفي، وفي غطاء الصندوق الأمامي المزدوج فوق المحرك الكرومي اللماعية... كلها من اللمسات الأنيقة التي تذكر، خصوصاً مع التصميم الخلفي، بهوية كاديلاك في أيام عزها... الماضية. فالشاحنات الخفيفة تقوي مبيعات كاديلاك، لكنها لن تعطيها يوماً صورة الفخامة الحقيقية، تلك المتجانسة مع هوية تاريخ موديلاتها السيدان والأخرى الرياضية، او تلك التي تمكنها من مجاراة الألمان فعلاً.
فما يمكن أن يضيفه موديل مثل سكستين الى صورة كاديلاك ككل، بل حتى الى صورة جنرال موتورز بكاملها، قد يتعدى أضعاف ما يمكن تحقيقه مع أي موديل آخر، ولو كان الأخير رودستر إكس إل آر XLR. فإبراز الأناقة والفخامة بحجم مثل حجم سكستين، ليس من التصاميم التي تمر غالباً في صناعة السيارات.
وهو ما تحتاج إليه كاديلاك تحديداً، لأنها لا تحتاج الى منافسة الألمان في لعبتهم، مثلما فعلت مع كاتيرا Catera أمس ومع سي تي إس CTS اليوم، ولا حتى مع إكس إل آر XLR. ما تحتاج إليه كاديلاك هو منافسة الألمان بهويتها الأميركية بالذات، لا بتصنّع "الألمنة". ألم يكن إسم كاديلاك أصلاً من الأسماء القليلة التي كانت تضرب بها الأمثال، مثل رولز رويس، وقبل ولادة فخامة بي إم ف وإسم ليكزس بعقود وعقود؟
كل ما في سكستين ينطق بهوية كاديلاك... أميركية بحتة لسبب بسيط هو أنه لا يشبه، أو يسعى الى التشبه، بأي عرض ألماني معروف. ألا تحتاج كاديلاك الى موديل يتشبه به المنافسون، لا العكس؟ ضع مايباخ ورولز رويس وسكستين جنباً الى جنب والصورة وحدها ستجيب، من دون اي تعليق. فإن بدت مايباخ كالنحلة قرب "آلية" مثل رولز رويس فانتوم، تتحول الأولى سريعاً الى "سيارة ضخمة"، نفيسة وغنية وكل ما تشاء، لكن ضخمة قبل أي شي... قرب نموذج كاديلاك سكستين. وهو مفتاح إختلاف الأخير، وسره.
لكن تغليف ضخامة مقاييس سكستين بنعومة تصميمه الإنسيابي اوالأخاذ، لا ينتقص من معنوياته الرياضية على الإطلاق... فالآتي أعظم: المحرك ومضمونه التقني الذي لا يخلو من "رسالة" تسعى جنرال موتورز الى التعريف بها منذ مدة.
طبعاً، تبدأ مواصفات المحرك من زاوية الضخامة المتعمدة في هذا النوع من الموديلات. فإن إنفردت فولكسفاغن VW في السنوات القليلة الماضية في إعداد نموذج بوغاتي فيرون Bugatti Veyron الذي سينتج لبدء تسليمه خلال العام الحالي، بمحرك تتسع أسطواناته الـ W16 لـ7993 سنتم مكعباً، والمركبة في وضعية W ليزدحم فيه 1001 حصان (بفضل أربعة أجهزة شحن توربيني)، مع عزم 1250 نيوتون-متر، في نموذج سكستين أيضاً محرك بست عشرة أسطوانة V16، بزاوية 90°، ولا تقل قوته عن 1000 حصان/6000 د.د. مع عزم 1356 نيوتون-متر/4300 د.د.، ودفع خلفي... طبعاً.
لكن في حين يتفوق محرك فولكسفاغن (وهو كناية عن أربعة محركات كل منها بأربع اسطوانات) تقنياً بصماماته الـ64، مع أعمدة كاماته العلوية، يكتفي محرك سكستين بصمامين إثنين لكل أسطوانة، علماً بأن تصميم الأخير بصمامات علوية Overhead Valves, OHV يشغلها عمود كامات يقع بين شقَّي المحرك (فوق العمود المرفقي، وليس فوق المحرك بالتالي)، وبواسطة أذرع دفع pushrods تقليدية، إنما يعكس بنية قديمة ولا تزال تتوافر في بعض عائلات المحركات بست أسطوانات V6، أو بثمان منها V8 كما في عائلة محركات فورتك Vortec لدى جنرال موتورز، وهي عائلة مختلفة عن عائلة محركات نورثستار Northstar ذات أعمدة الكامات العلوية DOHC, Double Overhead Camshaft.
لكن في إستغلال جنرال موتورز محرك نموذج سكستين تحديداً رسالة أخرى تعبر عن تصنيف زبائنها في فئات ثلاث، أولاها مهتمة أساساً بالصورة التسويقية التي يتمتع بها هذا المحرك أو ذاك (حجم المحرك أو قوته الخام)، خصوصاً في الموديلات الرياضية الحادة (نحو واحد في المئة من زبائنها)، بينما تضم الفئة الثانية (عشرين الى ثلاثين في المئة) أولئك الذين يضعون المواصفات التقنية المتقدمة (مثل أعمدة الكامات العلوية وغيرها) بين شروطهم الأساسية لشراء هذا الموديل أو ذاك، في حين يفضل زبائن الفئة الثالثة التي تضم الغالبية، أي أكثر من سبعين في المئة من الزبائن، الحصول على محرك رخيص الإنتاج وجيد الأداء والإستهلاك، بغض النظر عن حججه التقنية بالذات.
وقد يرمي عرضُ نموذج سكستين بمحركه المذكور، الى لتلميع صورة بعض محرك
ات جنرال موتورز التقليدية البنية (مثل فورتك، بعرضها تحديداً في إحدى أجمل واجهات السيارات وأغناها، مثل سكستين، للتذكير بأن أحدث التقنيات العصرية في المعادن والدقة الهندسية والتحكم الإلكتروني، لا تتناقض إلزامياً مع بنية المحركات التقليدية، لا في القوة ولا في الإستهلاك والنعومة.
في مطلق الأحوال، لم يلجأ محرك كاديلاك سكستين الى اجهزة شحن توربيني لبلوغ أقصى قوته وعزم دورانه... بل هو يعتمد الحل المعروف بزيادة سعة الأسطوانات بكل بساطة، الى... 13.6 ليتر، أو 13577 سنتم3 تحديداً، من قطر 105 ملم وشوط 98 ملم لكل من الأسطوانات الـ16، مع المحافظة على تقنية السحب العادي للهواء normally aspired والتي لا يزال يعتبرها بعضهم أكثر "نبلاً" من تلك التي تلجأ الى الشحن التوربيني أو المباشر لزيادة قوتها، شرط المحافظة على مستويات إستهلاك مقبولة قياساً بحجم المحرك وسعته.
مع بنيته التقليدية، يتضمن محرك سكستين أحدث تقنيات الإتصال الإلكتروني drive-by-wire بين دواسة الوقود ونظام البخ المتعدد المنافث، والإشعال المباشر بملف حث ignition coil لكل شمعة إشعال، والتوزيع المتبدل لنمط فتح الصمامات (مصنوعة من التيتانيوم) وإغلاقها cam phasing حسب سرعة دوران المحرك والضغط المطلوب منه، ما يسمح أيضاً بتبديل نسبة ضغط المزيج compression ratio (تبلغ في محرك سكستين عادة 10.6 الى واحد) نسبياً في غرف الإحتراق، إذ تسجل نسبة ضغط المزيج عند نهاية صعود المكبس في الشوط الثاني، قبل إشتعال المزيج (ومن شأن تبديل توقيت فتح الصمامات وإغلاقها التأثير على الضغط المذكور بالتالي)، إضافة الى تقنية السعة المتبدلة Displacement on Demand, DoD والتي تعني تشغيل العدد الملائم من الأسطوانات حسب السرعة والضغط المطلوب منه، ليعمل المحرك بأربع أسطوانات وكأنه محرك V4 سعته 3394 سنتم مكعباً، أو بثمان منها وكأنه V8 سعته 6789 سنتم مكعباً، أو بالست عشرة معاً كـ V16 وبسعة 13577 سنتم مكعباً، ومن دون شعور السائق بأكثر من تزايد القوة عند التسارع، كأي محرك يستجيب فوراً لـ"نداء" القدم اليمنى.
وتشير جنرال موتورز الى أن تبسيط التصميم الهندسي الداخلي للمحرك، وإعتماد الألومينيوم لقالبه وغطائه، سمحا بتصغير حجمه وتقليص عدد قطعه الى ما يقل عن المطلوب لمحرك بثماني أسطوانات مع أربعة أعمدة كامات علوية، وتخفيف وزنه الصافي الى 315 كلغ، أي بما يقل بـ29 كلغ عن وزن محرك فورتك Vortec 8100 المستخدم في موديلات شيفروليه أفالانش وسيلفرادو وسابربان وجي إم سي يوكون.
ولعل في إستخراج محرك سكستين 73.53 حصان في الألف سنتم مكعب، و99.6 نيوتون-متر/1000 سنتم مكعب، أحد أبرز الأدلة على إمكان إستغلال البنية التقليدية مع التقنيات الإلكترونية العصرية، لإستخراج نسب "مشرّفة" من القوة والعزم، قياساً بسعة المحرك (وهي نسب تستخرج عادة مع تقنية الصمامات الأربعة لكل أسطوانة).
محرك نموذج كاديلاك سكستين الجديد بست عشرة أسطوانة
ويذكر طبعاً أن لدى جنرال موتورز، مثل معظم الصانعين الآخرين، تشكيلة من المحركات العصرية جداً، منها عائلة محرك نورستار Northstar بثماني أسطوانات V8 مع أربعة أعمدة كامات علوية overhead camshafts وأربعة صمامات لكل أسطوانة، ومحركات أخرى بأعداد مختلفة من الأسطوانات، وستصل الى محرك الأسطوانات الـV12 نورثستار Northstar بسعة 7.5 ليتر وقوة تزيد عن 500 حصان، مع 48 صماماً وأربعة أعمدة كامات علوية ايضاً، والذي عرض في نموذج سيين Cien في العام الماضي، إحتفالاً بالذكرى المئوية الأولى لولادة كاديلاك.
ثم تأتي هيكلية نموذج سكستين بـ"رسالة" تقنية أخرى "لغتها" الألومينيوم هذه المرة، في البنية الهيكلية والألواح الخارجية، مع إستغلال الفولاذ في بعض المواضع، ليبلغ الوزن الصافي 2270 كلغ، بما يشبه التذكير، كما في شأن المحرك، بموقف براغماتي يختار ما يلائمه من أي تقنية، من دون التقيد بمواقف "مبدئية" (اي التكنولوجيا بدافع التكنولوجيا فقط) أو بالتزاحم التسويقي على نحو "من يزيد". أليس هذا ما تسعى علبة التروس الأوتوماتيكية ذات النسب الأمامية... الأربع (فقط) الى قوله، بعيداً عن اللحاق بموجة العلب الأوتوماتيكية المنافسة بست نسب أمامية مثلاً؟
محرك كاديلاك بست عشرة أسطوانة، في العام 1930
وعدا عن ألواح الألومينيوم والعجلات الكرومية البالغ قطرها 24 بوصة، مع إطارات مقياسها 265/40R24، يتضمن نموذج سكستين تشكيلة من أحدث التقنيات الآخذة في الإنتشار في أفخم السيارات، من المصابيح الأمامية والخلفية المتضمنة للمبات عاملة بغاز الكزينون xenon وأخرى بالصمام الثنائي الباعث للضوء LED, light emitting diodes، الى النظام الترفيهي القارئ لأقراص دي في دي DVD مع وسائل الإتصال المختلفة بواسطة خامس أجيال نظام أونستار Onstar، وهي كلها من العناصر القابلة للتطوير والتعديل في حال إتخاذ قرار نقل النموذج الى حيز الإنتاج.
ومثل بنيته الهيكيلية وتقنية محركه، تحمل مقصورة سكستين بُعدَ الإختلاف الخاص بها، فلا تسخو بأرقى الجلود والأخشاب والمعادن التي لم تعد من النوادر فعلاً في صناعة السيارات، بل بجوها الوفي لتقاليد الماركة. فالتلبيس المعدني لوسائل التحكم المختلفة، وخصوصاً حجم تلك العدادات والأزرار التي لا تبحث عنها الأصابع طويلاً، تذكر كلها بهوية كاديلاك، في إطار عصري مطعم بلمسات كلاسيكية مختلفة، منها ساعة بالغاري Bvlgari المتجانسة تماماً مع الترقيم الكلاسيكي أيضاً لمختلف العدادات.
كاديلاك سبورت فايتون بمحرك بست عشرة اسطوانة، موديل 1931
وإن لم تكن أمام نموذج سكستين دروس يتلقاها من مايباخ Maybach في جمال التصميم، أو من بوغاتي Bugatti وبينتلي Bentley في عدد الأسطوانات أو تقنياتها أو في قوة المحرك بالذات، فليس لديه أيضاً أي درس يتلقاه من رولز رويس Rolls-Royce، لا الجديدة ببنيتها المصنوعة من الألومينيوم، مثله، ولا من رولز رويس القديمة... فكاديلاك كانت السباقة الى إطلاق أول محرك بـ 16 أسطوانة V16 في سيارة سياحية، في العام 1930، وكانت سعته آنذاك 7.4 ليتر، وقوته 160 حصاناً، قبل إطلاق جيله الثاني في 1938 بسعة 7.1 ليتر وقوة 185 حصاناً (توقف إنتاج تلك المحركات في نهاية الثلاثينات).
فهل تنتج جنرال موتورز نموذج سكستين، أو تترك للألمان وغيرهم (تفكر تويوتا بدخول هذا القطاع أيضاً) أعلى "المرتفعات" الإستراتيجية المشرفة على أكثر أصناف السيارات ربحاً... وأقوى "الفيتامينات" المنشطة لصورة أي ماركة تمسها من قريب أو من بعيد؟
