هكذا هي إرادة الحياة التي تتغلب علي أي شيء يقف عائقاً في طريقها ولا بد في النهاية من أن يكون الانتصار حليفاً لتلك الإرادة.
لم تكن تتوقع أن قدومها للحياة بلاء سيجر عليها غضب أبيها، فمنذ الوهلة الأولي لولادتها وهي لا تزال طفلة ملفوفة بقطع من القماش أو ما يسمي خروق أخذ والدها يصب جام حقده عليها ويقوم بلكمها بكلتا يديه غير أنه لم يكتف بذلك إذ راح يقذفها دون أي إنسانية منه علي جدران المنزل كيفما يحلو له غير آبه بما يفعل وهي ابنة الخمسة أشهر، رغم تدخل الأهل والجيران ولكن عبثاً أن يرد علي أحد حتي ينفذ ما عزم عليه ضدها.
لكن بعد ذلك كله هي غلطة الأم غير المبالية لحياة طفلتها ولما يجري لها من ظلم وتعنيف الأب الذي ما انفك كل ما سنحت له فرصة يقوم بتعذيبها.
أجل إنها حكاية الطفلة المسكينة سيما التي ذاقت من العذاب الشيء الكثير لكنها قاومت فكانت إرادة الحياة وشدة تحملها لواقعها الأليم كفيلة بالنسبة لها كي تبصر النور من جديد فهي رغم تغربها وبعدها فيما بعد عن أبيها وأمها كبرت وترعرعت في كنف بعض الأسر كخادمة في البيوت أحياناً وكعاملة بالأجرة أحياناً أخري، لم تع أن الحياة ستبتسم لها في يوم من الأيام. يا للقدر..! المصادفة كانت كبيرة عندما التقتها امرأة مسنة تملك ثروة كبيرة من المال وبحاجة إلي من يرعاها ويعتني بها ويؤمن طلباتها فأبصرت سيما أمامها وطلبت منها أي المرأة أن تتبناها وبالفعل حصل ما حصل وصارت مثل ابنتها إلي أن بلغت من العمر عشرين عاماً.
حينذاك تقدم شاب لخطبتها فقبلت الفكرة ولكن بشرط أن تتم الخطوبة والزواج بعد علم وموافقة أبيها ورغم مضي كل تلك المدة التي لم يرها فيهاولم يعلم بأخبارها إلا من الناس الآخرين.
حزمت أمرها واتجهت مسافرة من بلدتها إلي البلدة التي يقيم فيها والدها مع زوجته الثانية وما أن وصلت وسألت عنه قائلة: أنا ابنتك سيما صرت شابة يافعة ومقبلة علي الزواج بشاب من القرية التي أسكنها وجئتك كل هذه المسافة راجية منك أن تبارك زواجي بهذا الشاب لأنني لم أشأ أن أخالف رأيك وأتزوج دون علمك، رغم المدة التي عشتها بعيدة عنك وعن إخوتي فما كان من الأب إلا أن سارع إليها وضمها لصدره وبين ذراعيه للمرة الأولي في حياته وهو يجهش بالبكاء ندماً علي ما اقترفه بحقها.
كانت تلك اللحظات القليلة معبرة عن موافقته ورضاه لما فيه سعادتها والزواج بمن تحب وترضي وتبدأ من جديد حياة جيدة لا تعرف فيهما طعماً للحرمان والهوان، حياة ملؤها الحب والسعادة.
مواقع النشر (المفضلة)