كــربلاء
كربلاء، هو إسمٌ إختارته لقباً لها. عروسٌ من شهيدات الغدر الصهيوني على قرى جبل الكرامة.
كأنها رأت ما وعد الله به الشهداء، شعرت بأن الشهادة دنت منها، تطرق أبواب سنين عمرها اليافع. كتبت وصيتها التي وجدنها في جيب ثوبها بعض النسوة الذيم جهزوها في عرسها إلى مثواها الأخير. كتبت وصيتها بلغة الشهداء، وأبجدية الجنة، وبلاغة وفصاحة الإيمان. أحست أن الموت آتٍ وبات قريباً جداً منها، جلست تنتظر نعمة الإستشهاد بالتسليم الرباني، تمنت وهي تواجه سكرات الموت أن يتمزق جسدها إلى أشلاء.
أدركت في أعماق نفسها أن شيئاً عظيماً لا يستطيع أي إنسان وصفه، وقبل أن تختم وصيتها التي إفتتحتها بـ «بسم الله قاسم الجبارين» طلبت من كل من عرفها المسامحة؛ ومن والديها، ووقعت وصيتها بإسمها المستعار «كربلاء».
لا أحد يعرف ما جرى مع كربلاء ليلة إستشهادها، وكيف تمكنت في الليل الحالك الظلمة، وفي غرفةٍ موحشة يلفها الموت، ويتهددها الطيران الوحشي من كتابة وصيتها!!!
رأت الموت مقبلاً نحوها، تأملته بصمت رغم أصوات الإنفجارات المدمرة، تركت كربلاء ملك الموت ينتظر بعيونٍ دامعة، وجلسيت في الزاوية تكتب وصيتها، ثم أسلمت أهدابها لملك النوم على ركبة والدتها المنشغلة عنها بقراءة دعاء التوسل إلى الله. نامت بنفسٍ مطمئنة وشفاهها الذابلة ترتل آياتٍ من القرآن الكريم، وهي تعلم أنها ستنتقل إلى رحمته تعالى بعد قليل، كما ذكرت في وصيتها.
بعضهم نصح والدتها بمغادرة القرية بعد التهديد الصهيوني للأهالي. لكن الوالدة المقاومة على طريقتها رفضت أن ترفع رايةً بيضاء وهي تسير طريق نجاتها إلى قريةٍ مجاورة سيراً على الأقدام، تسأل أهل النصيحة «بأي عين بدكن ترجعوا حاملين رايات النصر، بعد ما تكونوا رفعتوا الرايات البضاء» وتكمل «نموت في أرضنا ولا نستسلم».
في في أيام الحرب الأولى، إنتقلت كربلاء مع والدتها وزوجة أخيها أمير وطفله الرضيع من بيتٍ إلى بيت، وكانت تصنع الخبز في النهار، وتوزعه في الليل على الجيران والمجاهدين في مواقعهم، تعلمت كيف تضلل وتهرب من طائرات الإستطلاع Mk.
قبل الحرب، في 12 تموز، كانت كربلاء تستعد للإنتقال إلى بيت الزوجية، إختارت أثاث عشها الزوجي، ووضبت جهازها العرائسي، ولم تنسى دميتها وصديقتها منذ الطفولة، والتي كانت تفشي لها بأسرارها، ووعدتها في خلواتها مع هذه الدمية الصديقة أنها ستحافظ عليها حتى تعرّفها على إبنتها «بس إكبر واتزوج».
هكذا كانت ليلة كربلاء الأخيرة، وهي مستسلمة بإنتظار أن ينعم عليها الله بالشهادة دون أن تعلم أن شقيقها أمير سبقها وسبق زوجته وطفله الرضيع ووالدته ونال هذا الشرف وهو يقوم بواجبه على مثلت الصمود على مدخل القرية. فرق الإنقاذ عثروا تحت أنقاض أحد المنازل على جثة كربلاء ابنة السبعة عشر عاماً، عروس الشهادة، وهي كما أسلمت على ركبتي والدتها، وبجانلبهما زوجة شقيقها وفي حضنها طفلها الرضيع.
مواقع النشر (المفضلة)