الموت
منذ الوعي الجنيني للانسان كان التساؤل الدائم الذي ينتابه يتعلق بالموت، وكانت فكرة الموت عند البشر مقرونة بالحياة بوصفها الوجه الآخر للوجود، فالحي ميت بالضرورة، والميت مجهول المصير بحسب الاعتقادات البدائية للبشر، ولقد تساوقت الفكرة مع العديد من النظرات والاجتهادات والاستيهامات والحقائق حتى إن الموضوع كان ومازال راكزاً في أساس الأسئلة الوجودية التي مازالت تعيد إنتاج نفسها، والشاهد أن علماء الطب والأحياء مازالوا الى يومنا هذا غير قادرين على تقديم تعريف دقيق للموت، حتى إن مسميات كالموت السريري والموت الدماغي أصبحت شائعة في أروقة المستشفيات والمعاهد الصحية، وقد لاحظ العلماء والأطباء حالات من الغيبوبة الدماغية التي تستمر لسنوات فيما يظل جهاز الجسم يؤدي وظيفته الفيزيائية بذات الكفاءة التي كانت قبل الموت الدماغي، وبالمقابل لاحظوا أن البعض يُصاب بضمور في الأجهزة العضوية فيما يظل دماغه متوقداً قادراً على التفكير، والى ذلك تُباشر الأعضاء الحية استدعاء وظائفها بطرائق تتناسب مع الآلة الدماغية باعتبار أن الدماغ مركز التشغيل لتلك الوظائف الحيوية في الجسم، وفي بعض الحالات يُفاجأ الناس بانقلابات غريبة في تلك الوظائف، فبعض المصابين بالعمى يبصرون فجأة، وبعض المشلولين يتجاوزون الحالة بصورة لا تفسير لها، بل إنه تم رصد حالات اصابة بالسرطان والصرع انتهت من دون تدخلات علاجية، أو لأسباب لا علاقة لها بالتدخلات العلاجية.
وفي القرآن الكريم إشارات دالة مقرونة بعيسى عليه السلام الذي كان يُحيي الموتى ويعالج المرضى بلمسة من يديه، وفي تلك الإشارات القرآنية مجال واسع للتأمل واستذكار لفكرة الموت وكيف أن الإنسان ليس بوسعه تقديم تعريف دقيق للموت، فلعل مائتاً من البشر ليس كذلك حتماً، ولعل العلاج باللمس مقرون بملكات ربانية وقدرات استثنائية يهبها الله لمن يشاء من عباده. وفي قصة أصحاب الكهف والرقيم إشارة اخرى، ذلك ان الفتية ناموا لأكثر من 3 قرون، وكانوا يتقلّبون ذات اليمين وذات اليسار كما يصف القرآن الكريم، وفي هذا نوع حماية للجسد من التخشّب والضمور، وتعبير عن حياة مترافقة مع حالة النوم الطويل الأشبه بالغيبوبة.
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا”. وهذا الحديث يومئ الى ماهية النوم ، وكيف أن النائم يرى ويسمع، غير أنه لا يستطيع أن يرى ويسمع ما وراء الظاهر المُتاح له، فكأن الرؤية البشرية المُتاحة في حياته ليست إلا بعضاً من كل، وتلك الرؤية تعتمر بآماد وفضاءات أكبر حالما يغادر الدنيا وينتقل إلى برازخ الحياة الأخرى التي نسميها وجودياً الموت، فالموت ليس إلا انتقال إلى حياة ثانية، والحياة الثانية تمنح المائت المُنتقل مجالاً للرؤية والمعرفة والادراك لا يقارن بما هو عليه في الحياة الدنيا. قال تعالى: “فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد”.. أي انك ترى ما لم تكن تراه وتسمع ما لم تكن تسمعه.
لهذا اعتبر العلماء أن النوم التقليدي الذي نزاوله يوميا هو بمثابة بروفة حقيقية للموت، أي بمثابة مناسبة لرؤية ما لا يمكن رؤيته في الصحو، والشاهد أن النائم تتعطّل إليه آلة الجسم التقليدية من أعضاء فيزيائية، لكنه بالمقابل يستدعي بعض الملكات الدماغية غير مألوفة الاستخدام في الأحوال العادية، فالنائم يرى أبعد من اليقظان، ويسمع ما لا يستطيع سماعه وهو يدب على الأرض .
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطموح
مواقع النشر (المفضلة)