أنا فتاة في الخامسة والعشرين من عمري لم استطع اكمال دراستي الجامعية، فعملت بالثانوية العامة، نشأت في أسرة طيبة تتقي الله في كل تصرفاتها، كما انها ميسورة الحال، والحمد لله.
وأنا في العاشرة من عمري أصبت بحادث سيارة ونجوت بأعجوبة، لكن بعد مرور أقل من سنة على ذلك الحادث اكتشف الأطباء وجود مياه خلف طبلتي الأذنين، وذلك بعد عناء طويل مع الألم الشديد والصداع المبرح. ونجح الأطباء في تفريغ المياه بعملية جراحية، لكن بعد فترة تكونت في أذني مرة أخرى، وأجريت عملية ثانية لتفريغها وأيضا بلا فائدة، حتى احتار الأطباء في حالتي.
اصطحبني والدي للعلاج في الخارج على نفقته الخاصة، لكن الأطباء في البلد الأجنبي رفضوا اجراء عملية لترقيع طبلتي الاذنين حتى ابلغ الرابعة عشرة من عمري، وعدت ادراجي إلى أرض الوطن أجر أذيال الخيبة، وأتحمل الألم المبرح الذي لازمني في كل فترات حياتي.
وعندما بلغت الرابعة عشرة وحان موعد السفر الى الخارج لإجراء الجراحة كما نصحنا الاطباء، وقع والدي مريضا يعاني الآلام بعد اكتشاف أورام سرطانية منتشرة في جسده، وخلال أشهر قليلة فارقنا ورحل عن حياتنا وتركنا نتألم لفراقه، اما أنا فكانت آلامي مضاعفة، أولا لفراق والدي وثانيا لتلاشي الأمل في شفائي، فقد رحل الذي كان سيصطحبني للعلاج، وقتها ايقنت انه كتب علي ان أعيش مع الآلام المبرحة.
خلال عدة سنوات تدهورت حالتي الصحية واكتشفت ان سمعي بدأ يقل تدريجيا حتى أصبحت لا أسمع شيئا، وفقدت حاسة السمع نهائيا، لم أيأس وحاولت التعايش مع حياتي الجديدة، وبحثت عن آخر التطورات الطبية في هذا المجال لمساعدتي، لم تبخل والدتي في علاجي واصطحبتني الى أشهر الأطباء المتخصصين الذين اجمعوا على ضرورة الاستعانة بسماعة للأذنين، وبالفعل طلبت من قريب لي ان يشتريها لي من الخارج.
عشت السعادة المؤقتة عندما بدأت اسمع قليلا باستخدامي تلك السماعة الساحرة، الا ان فرحتي لم تدم أكثر من أشهر قليلة، فسمعي بدأ يقل يوما بعد يوم، حتى باتت السماعة غير ذات جدوى ولا اعرف حتى الآن السبب.
لم أيأسعلى رغم انني كنت في سنة دراسية حرجة وهي السنة النهائية من المرحلة الثانوية، اجتهدت وساعدتني والدتي كثيرا حتى استطعت ان احصل على مجموع كبير، لكنني رفضت الالتحاق بأي كلية خوفا من صعوبة فهم المواد، وفضلت العمل بالثانوية العامة بعد ان التحقت بأكثر من دورة للكمبيوتر واتقنت العمل عليه.
خلال الفترة السابقة تقدم لي أكثر من عريس، لكن عندما يكتشف المتقدم انني لا اسمع حتى بالسماعة، ينصرف ولا يعود، وعلى الرغم من انني تعلمت قراءة الشفاه، وبدأت افهم الكلام الذي يقال لي بشرط ان يكون المتحدث واقفا امامي لأتمكن من قراءة حركة شفتيه وايضا بمساعدة بعض التعبيرات بالأيدي لتسهيل الفهم.
مواقع النشر (المفضلة)