* عُرف صلى الله عليه وسلم بالكرم منذ صغره، ولذا وصفته خديجة رضي الله عنها بقولها: “كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق” رواه البخاري ومسلم.

لقد كان كرمه صلى الله عليه وسلم لا يُجارى ولا يُبارى، فقد جعل الله خمس الغنائم إليه، وكانت حصته صلى الله عليه وسلم من هذا الخُمس الخُمس. وقد غنم المسلمون غنائم كثيرة، ولو أراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يجمع مالاً لكان أكثر الخلق مالاً. إن خُمس غنائم حنين كان ثمانية آلاف من الغنم، وأربعة آلاف وثمانمائة من الإبل، وثمانية آلاف أوقية من الفضة، وألفاً ومائتين من السبي. وهذا الخُمس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه خُمسه لا يشاركه فيه أحد. فكم نتصور غنى الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا كان هذا هو نصيبه من غزوة واحدة؟

وهل نصدق أن هذا النبي الجليل كان ينام على الحصير حتى يؤثر الحصير في جنبه؟ وكان يجوع الأيام فلا يجد ما يأكله؟ وأنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي؟

* إذا عرفت هذا أدركت اي كرم كان عنده صلى الله عليه وسلم، وأي نفس طاهرة هذه النفس، وان غير النبوة لا تجود بهذا الجود.

أجود من الريح

أخرج الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقى جبريل عليه السلام. وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. قال: فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة”.

وأخرج الشيخان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: “ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا..”.

وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُسأل شيئاً على الإسلام إلا أعطاه، قال: فأتاه رجل فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة، قال: فرجع الى قومه فقال: يا قوم، أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة”.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن وخرج معه صفوان بن أمية وهو كافر وأرسل إليه يستعيره سلاحه فأعاره مائة درع بأداتها. فقال صفوان: طوعاً أو كرهاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عارية رادة). فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملها الى حنين فشهد حنيناً والطائف ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الجعرانة فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر اليها ومعه صفوان بن أمية ينظر الى شعب مملوء نعماً وشاء ورعاء فأدام النظر اليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه فقال: “أبا وهب يعجبك هذا الشعب؟” قال: نعم. قال:”هو لك وما فيه”.

فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأسلم مكانه.

* أرأيتم كرماً وجوداً أعظم من هذا الكرم والجود؟ كرماً وجوداً يكسب به قلوب الناس من حوله، ويجذبهم به الى الاسلام، ويقربهم الى ربه الرحيم الرحمن.

إكرام الضيف

ولذا نراه صلى الله عليه وسلم يحث على الإكرام دوماً، وخاصة إكرام الضيف فيقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”، ويقول لأبي الدرداء رضي الله عنه: “وإن لضيفك عليك حقا”.

وأخرج أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك فقال: “ما من الناس مثل رجل أخذ بعنان فرسه فيجاهد في سبيل الله ويجتنب شرور الناس، ومثل رجل باد في غنمه يقري ضيفه، ويؤدي حقه”.

* إن الحبيب صلى الله عليه وسلم ما كان يتحرج من إقبال ضيف عليه، بل كانت السعادة تغمره، وتعلو وجهه البشاشة، وتخرج منه عبارات حسن الاستقبال والترحيب، ويسعى جاهداً للقيام بحق هذا الضيف، فإن لم يجد ما يكرمه به استعان بمن يقدر على ذلك من أهله وأصحابه.

أخرج البخاري ومسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال: “جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود، فأرسل الى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل الى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا، والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، فقال: “من يضيف هذا الليلة، رحمه الله” فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق به الى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي الى السراج حتى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة”.