الفقراء يصنعون الثراء والأغنياء يتمتعون به، هذا أحد قوانين الحياة المعاصرة منذ عرفناها، فكلما كبرت معاناة الفقراء ومجاهدتهم في مواجهة فقرهم بالمزيد من الجهد والعرق ومعاركة ظروف حياتهم بمختلف الوسائل حسب تنوع أساليب عراك الحياة لهم، ازداد الأغنياء غنى ورفاهية وسعادة.
هذا الواقع رغم تغير ظروف الحياة وسننها ومتطلباتها، لم يتغير لكنه تحور بعض الشيء إلى أن الأغنياء يصنعون الثراء والفقراء يشقون به، والمتأمل للواقع يجد أن هذا التغيير لم يمس أساس المسألة، فاستمر الفقير في فقره شقيا، واستمر الغني في حياته متنعما من شقاء هذا الفقير.
الاختلاف الوحيد جاء في تغير أساليب صناعة الثراء بتغير معطيات الحياة الاقتصادية وظروفها ووجود هذا الكم الهائل من وسائل التقنية التي فرضت أن يستغنى عن جهد الفقير وعرقه، لكن الفقراء لا يزالون عنصرا أساسيا ومهما في المعادلة؛ هذه المرة باستهداف وجودهم وحاجاتهم وإنسانيتهم، فتنوعت مصادر صناعة الثراء في العالم حتى في الدول المتقدمة، وراجت أسواق تجارة الممنوعات بأنواعها، والمستهدف بطبيعة الحال هم الطبقة الفقيرة التي توهمت أنها بهذه الممنوعات تستطيع أن تخفف من معاناتها أو تتناسى واقعها وتجد سعادتها وإن كان تخيلا، وكثرت مكاتب استقدام العمالة التي فرض عليها فقرها أن تساق كما تساق ولتبقى في بيوت الأغنياء كعنوان لسعة الحال، وليتباهوا بعددهم ليس إلا، وراجت تجارة الرقيق في بعض دول العالم المتحضر واستغلال فقر الحال في تجارة الجنس والأبدان، ومن ناحية أخرى طال استهداف طبقة الفقراء اللحظات التي قد تبقيهم مرتبطين بهذا العالم من منطلق أنه وإن كانوا فقراء لديهم نزعات إنسانية تتطلب بين الحين والآخر البحث عما يسليهم ويجعلهم مرتبطين بأحداث هذا العالم الصغير، فراجت بهذا حقوق البث التلفزيوني لبعض الأحداث، وعلى الفقير أن يدفع إذا ما رغب في أن يكون جزءا من هذا العالم، فالمسألة تتحور على تحقيق الثراء ليس إلا.
لكن ومهما اختلفت بعض أجزاء الصورة يبقى الإطار الأساسي لها كما هو دون تغيير، فالفقير يصنع الثراء بأن يدفع من إنسانيته ووجوده وصحته ما يجعل الأغنياء يتمتعون به، ولا أتوقع أن تتغير هذه المعادلة وإن قامت ناقة صالح عليه السلام.. والله المستعان.