1 - قال الله عز وجل: “ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين”، سورة الانعام الآية 52.

2 - قال سبحانهوتعالى: “واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، ولا تعد عيناك عنهم، تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان امره فرطا” (سورة الكهف الآية 28).

أسباب النزول

هاتان الآيتان مكيتان(أي نزلتا قبل الهجرة النبوية) ولكل منهما سبب نزول له روايات عدة تتشابه في المضمون، أما سبب نزول الآية الأولى فله ثلاث روايات يعاضد بعضها بعضا:

1- قال الصحابي الجليل سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه: لقد نزلت هذه الآية في ستة (من الصحابة): انا وعبد الله بن مسعود واربعة، وذلك حين قال زعماء قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اطردهم فانا نستحي ان نكون تبعا لك كهؤلاء.

2- روي أن اشراف قريش، وكانوا مشركين، قد مروا على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عنده خباب بن الارت وعمار بن ياسر وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فقالوا له: لو طردت هؤلاء لاتبعناك.

3- جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدي والحارث بن نوفل، وهم من أشراف قريش، إلى ابي طالب بن عبد المطلب فقالوا له: لو أن ابن أخيك يطرد هؤلاء الاعبد (أي العبيد) كان اعظم في صدورنا، واطوع له عندنا، واوفى لأتباعنا اياه.

وسبب نزول الآية الاخرى، له ثلاث روايات أيضا يعاضد بعضها بعضا.

1- روي ان اشراف قريش اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: إن أردت ان نؤمن بك وبرسالتك فاطرد هؤلاء الفقراء من مجلسك، ويقصدون بذلك بلال بن رباح وصهيبا الرومي وسلمان الفارسي وخباب بن الأرت وغيرهم من الفقراء، فإننا نأنف ان نجتمع بهم، وان تعين لهم وقتا آخر يجتمعون فيه عندك.

2-نزلت هذه الآية بحق عيينة بن حصن ورفاقه من المشركين الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وكان عنده عدد من الصحابة الفقراء منهم: سلمان الفارسي، فقالوا له: نحن سادة مضر وأشرافها إن أسلمنا يسلم الناس، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، فنحّهم عنك حتى نتبعك او اجعل لنا مجلسا ولهم مجلسا. فلما نزلت هذه الآية الكريمة” واصبر نفسك..” خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس هؤلاء الفقراء فلما رآهم جلس معهم وقال: الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني ربي بأن أصبر نفسي معهم.

3- نزلت هذه الآية في حق أحد زعماء قريش، وهو امية بن خلف الجمحي الذي اغفل الله قلبه وختمه عن التوحيد والهداية والاسلام.


المعنى العام للآيتين



يطلب الله عز وجل من نبيه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم أن يصبر ويحبس نفسه مع المؤمنين الفقراء والضعفاء وأن يجالسهم ويتودد اليهم وألا يصرف عينيه عنهم كما لا يجوز أن يطردهم من مجلسه، فهؤلاء الصفوة الذين يتوجهون إلى الله رب العالمين، فهو غايتهم ولا يتحولون عنه ولا يبتغون الا رضاه، وبالمقابل فان الله سبحانه وتعالى يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ان يهمل المشركين من ذوي الغنى والشرف، وان يغفل عنهم ولا يلتفت إلى مطالبهم الظالمة الجائرة التي تنم عن فساد وإفساد وغطرسة وكبرياء.

هذا وقد اشارت الآيتان الكريمتان إلى بعض صفات هؤلاء المشركين، وهي:

1- غفلة القلب: أي ختم الله عز وجل قلوبهم عن التوحيد والهداية وذكر الله.

2- اتباع الهوى: أي اتباع هوى النفس ورغباتها والتي تقود إلى الشرك وعصيان الله رب العالمين.

3- التفريط: أي التقصير في حق اللهسبحانه وتعالى من ترك للايمان، وارتكاب للموبقات وتجاوز لحدود الله.

ويؤخذ من هاتين الآيتين ما يلي:

1- ان الاسلام قد جاء ليسوي بين الناس أمام الله رب العالمين، فلا تفاضل بينهم بالمال ولا بالنسب ولا بالجاه فهذه قيم مؤقتة وزائلة، انما التفاضل بالتقوى وبمقدار اتجاه المسلم نحو الله سبحانه وتعالى وإخلاصه له والتزامه بأوامر الله واجتناب نواهيه “إن أكرمكم عند الله اتقاكم”. (سورة الحجرات: الآية 13)

2- انالحق لا ينثني ولا ينحني، وإنما يسير في طريقه فيما لا عوج فيه، قويا لا ضعف فيه، صريحا لا مداورة والتواء فيه.

3- ان العقيدة ليست ملكاً لأحد، ولا حكراً على شريحة من شرائح المجتمع، وإنما هي ملك لله سبحانه وتعالى فلا مجاملة فيها ولا مفاوضة عليها.