توثيق الالتزام أي إحكامه وإثباته أمر مشروع لاحتياج الناس إلى معاملة من لا يعرفونه، خشية إنكار الحقوق أو ضياعها، وقد شرع الله تعالى للناس ما يضمن لهم حقوقهم بتوثيقها، وجعل لذلك طرقا متعددة، وجاء في الموسوعة الفقهية، أن طرق توثيق الالتزام هي: الكتابة والإشهاد، فقد شرع الله تعالى الكتابة والإشهاد صيانة للحقوق، وذلك في قوله تعالى:

“يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مسَمى فَاكْتُبُوهُ”..”وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رجَالِكُمْ”.. “وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ” “البقرة: 282”

وقد أوجب الشرع توثيق بعض الالتزامات لخطرها، كالنكاح، ومثله الإشهاد عند دفع مال اليتيم إليه عند البلوغ والرشد، ومن الالتزامات ما اختلف في وجوب الإشهاد فيه أو استحبابه، كالبيع والإجارة والقرض والرجعة في الطلاق.

وكذلك شُرع الرهن لتوثيق الالتزامات، لأنه احتباس العين ليستوفى الحق من ثمنها، أو من ثمن منافعها عند تعذر أخذه من الغريم، والأصل في مشروعيته قول الله تعالى: “وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مقْبُوضَةٌ” “البقرة: 283” وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم (اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهَنَه درعا من حديد) والرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب، بدليل قول الله تعالى: “فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَد الذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ” “البقرة: 283” ولأنه أمر به عند عدم تيسر الكتابة، والكتابة غير واجبة فكذلك يكون بدلها غير واجب.

الضمان والكفالة

قد يستعمل الضمان والكفالة بمعنى واحد، وقد يستعمل الضمان للدين، والكفالة للنفس، وهما مشروعان أيضا ليتوثق بهما الالتزام، والأصل في ذلك قول الله تعالى في قصة يوسف: “وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيم” “يوسف: 72” وفي كل ذلك تفصيلات واختلافات للفقهاء تنظر في موضعها.

ومن وسائل التوثيق أيضاً: الحبس على الحقوق إلى الوفاء، وحبس السلعة المبيعة حتى يقبض الثمن، وكذلك منع المرأة تسليم نفسها حتى تقبض معجل المهر.

وإثبات الالتزام إنما يُحتاج إليه عند إنكار الملتزم، وفي هذه الحالة يكون على الملتزم له - صاحب الحق- إثبات حقه، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر) وللقاضي - إن لم يُظهر صاحب الحق بينته - أن يسأله: ألك بينة؟ لما روي أنه جاء رجل من حضرموت، ورجل من كندة، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بيّنة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه.

والأصل أن الالتزام ينقضي بوفاء الملتزم وتنفيذه ما التزم به من تسليم عين أو دين، كتسليم المبيع للمشتري، والثمن للبائع، والمأجور العين كالشقة - للمستأجر، والأجرة للمؤجر، وهكذا.