جميعنا يرغب رغبة صادقة في أن يكون سعيداً في حياته ومعظمنا يمتلك كل مقومات السعادة ولكن لا يعرف كيف يخرج بتلك الخلطة السحرية للوصول إليها. هناك من يعتقد ان السعادة تكمن في المال وهناك من يراها تكمن في الصحة والغريب أن بعض الناس يملك ما يجعله سعيداً بجميع المقاييس ولكنه دائماً ساخط حزين لذلك يقول الكاتب إبراهيم الكوني "السعادة من نصيب الذين يطلبونها لا الذين ينتظرونها".
ومن وجهة نظري الخاصة أن تكون سعيداً لابد أيضاً ان تكون على قدر كبير من الذكاء فليس كافياً أن تكون صحتك جيدة وزواجك ناجحاً وأطفالك ينعمون بالصحة وفوق رأسك سقف متين وفي جيبك ما يكفيك لتعيش حياة معقولة تتوفر فيها الضروريات والكماليات. هذا كله ليس كافياً إن غاب فكرك عن تقييم وشكر هذه النعم التي قد يحرم منها غيرك. لذلك ليس من المستغرب أن ترى بعضاً من الناس لديه كل مقادير السعادة ولكنه عاجز عن خلطها في نسيج واحد وأن يحللها فكرياً ويصل في النهاية إلى الاعتراف بأنه إنسان سعيد.

قرأت دراسة في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي تقول إن الثقة بالنفس وبمعنى آخر الرضا مع الذات ووجود علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين أهم مقومات السعادة

والغريب أننا نختلف في تقييمنا لمقومات السعادة حسب الثقافة التي نعيشها فعلى سبيل المثال يرى الشعب الأمريكي أن الثقافة تكمن أكثر في الثقة في الذات بينما يرى الكوريون في كوريا الجنوبية ان السعادة تكمن في علاقات جيدة ناجحة مع الآخرين وأكيد في مجتمعاتنا العربية المسلمة يأتي الإيمان بالله هو العنصر الرئيسي للسعادة ولقد أشار لذلك الدكتور سلمان العودة في برنامجه الحياة كلمة حيث ذكر أن الإيمان يحمي الشعوب العربية من الانتحار رغم ما يعيشونه من مشاكل مضاعفة عن بقية الشعوب من الجهل والتخلف والانحدار الاقتصادي.. ألخ.

وكما ذكرت سابقاً فكما تختلف الشعوب في تعريفها للسعادة ومقوماتها فإن الأفراد يختلفون أيضاً في نظرتهم لعناصر السعادة وبغض النظر عن بعض العوامل البيولوجية التي قد تزيد او تنقص من مشاعر الاكتئاب لدينا فأننا نتعلم كيف نكون سعيدين وذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية ومعلمنا الأول هو الأسرة التي ننشأ ونتربى فيها فلا ننسى أنه كما يوجد أفراد يتسمون بتعكر وسوداوية المزاج ونظرتهم المتشائمة للحياة هناك أسر تتسم بنفس هذه السمات وكما أن هناك أفراداً يتسمون بروح إيجابية وإقدام ونظرة متفائلة للحياة أيضاً هناك أسر تتسم بهذه السمات الصحية ومن المؤكد علمياً ونفسياً أننا نقتبس ونتعلم من أسرنا كيف نكون سعداء او حتى العكس فالطفل الذي ينشأ في أسرة طريقتها في التعامل مع الحياة اليأس والحزن والاكتئاب سيتعلم تلقائياً ذلك الأسلوب ويستمر فيه وقد يصعب عليه الخلاص منه مهما تقدمت به السن ومن ناحية اخرى الأسر السعيدة التي يسود جوها البسمة والتفاؤل تعلم أطفالها قوانين لعبة السعادة. إنها دروس اولية نتعلمها في أسرنا الأولى تظل بصماتها العمر كله.

ومما لاشك فيه أن هناك العديد من النصائح التي تسبب لنا السعادة في الحياة يأتي على رأسها الإيمان بالله حيث ذلك الشعور القوي براحة البال والطمأنينة التي هي الأساس والقاعدة التي تبنى عليها أوراق السعادة وثمارها ثم لا ننسى القناعة فهي المفتاح العجيب الذي يجعلنا نعيش حالات من الرضا مع الذات ومع الآخر كذلك لا يعلى على مشاعر الحب للذات وللآخر والعطاء الصادر من القلب بما في ذلك مساعدة الآخرين ثم لا تنسوا ان التفكير العقلاني المنطقي يساعدنا على أن نكون أكثر سعادة فعلى سبيل المثال متى ما أدركنا بأن الحياة لا تخلو من منغصات وأنه ليس من واجب الآخرين إرضاؤنا وتلبية رغباتنا فإن مجرد تبني هذه الأفكار العقلانية يساعد على ردود فعل منطقية للحياة وللآخرين ففي النهاية ليست الأمور والظروف في حد ذاتها هي التي تعكر صفونا بل رؤيتنا لها واتجاهاتنا نحوها وأعتقد أن من أهم الأمور التي تسبب لنا السعادة هوالنجاح فالنجاح في الحياة يعطينا ذلك الغذاء المعنوي للاستمرارية وفي النهاية لا أجد أفضل من قول برنارد شو عن السعادة بأنها "الشعور العجيب الذي يستولى عليك عندما تكون كثير الأعمال بحيث لا تجد فراغاً تشعر فيه بالتعاسة" وإن كانت السعادة وبمقياس هذه الحكمة فإن ذلك لن يجعل من العرب شعوباً سعيدة.

وأخيراً لا أريد أن انسى جملة أخيرة وجميلة عن السعادة وهي أن يكون عملك هوايتك وزوجتك حبيبتك.