نعم ثمة قيم جاء بها الإسلام يتوجب إحقاقها بين أفراد المجتمع الإنساني؛ للاهتداء بها والعمل بموجبها، ومن هذه القيم (العدالة) وتعني وصول الحق إلى أصحابه حتى يشيع الأمن والطمأنينة لدى أفراد المجتمع الواحد؛ مما يؤدي إلى الترابط والتماسك فيما بينهم، ويؤدي إلى التوازن والتفاعل الموجب في علاقات الأفراد؛ مما يجسد قيم الحق في مقابل الواجب في مسلكيات السواء، ودعم الحق في مواجهة سلوك البغي وسلوك الاستلاب.

ولما كان العدل صفة من صفات الله - عز وجل - فقد جاءت الشرائع وأنزلت الكتب، وكلفت الرسل بالدعوة لإقامة العدل والحق؛ حتى لا يستبدل بالظلم الذي نهى الله عنه؛ حيث إنه ظلمات يوم القيامة. وجاء في كتاب الله العزيز: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ}(31)سورة غافر. وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا..). وقد نهى الرسول - عليه الصلاة والسلام - عنه؛ فقال: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة).

وكما نسمي الفرد بأنه عادل، فيوصف المجتمع أيضاً بأنه مجتمع عادل إذا تحرى الدقة في منح كل ذي حق حقه، وأن يضع القوانين واللوائح التي تعين كل فرد على أن يحصل على حقه في يسر.

والذي حدا بنا لهذا القول هو ما نشرته جريدة الجزيرة الغراء يوم الاثنين 3 محرم 1428هـ بأن أحد العاملين بوزارة الصحة قد تخطته الإدارة المسؤولة في الترقية ومنحتها لآخر على الرغم من أنها تخص الموظف الشاكي وتقدم بمظلمته لديوان المظالم الذي تحرى وبحث وحلل في ضوء القوانين والقرارات واللوائح والنشرات التي يصدرها ديوان الخدمة المدنية، وحين وجد وتأكد من صدق وأحقية الموظف الشاكي فقد حكم بمنحه الترقية، وهو حكم رشيد لصالح المواطن؛ فالحق في مجتمعنا الذي تظله وتحدد سلوكياته الشريعة الإسلامية التي بمقتضاها يمنح الحق لأصحابه؛ فالحق أبداً لن يضيع؛ فهو أساس العدل الذي يمثل التجرد عن الهوى (الروية الذاتية)، وعدم التأثر بأي شيء سوى الحق في قضائهم وقسمتهم.

وجدير بالقول أن العدل في مجتمعنا هو أساس نظم الحكم، ليس هذا فقط بل هو ركيزته القوية المتينة، وهو الهادي لمنظمات المجتمع وأنساقه، ويبنى العدل في الحكم على قول الله تبارك وتعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} (58)سورة النساء.

والحكم العادل هو إيصال كل ذي حق حقه والحكم بمقتضى ما شرع الله من أحكام.والحكم العادل هو قوام كل مائل، ومصدر كل حائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، وفرحة كل ملهوف.

ويجدر بنا أن نذكر بأن نظام القضاء في مجتمعنا يمثل نسقاً من أنساق البناء الاجتماعي للدولة يلجأ إليه المواطنون لعرض شكاياتهم للوصول إلى حقوقهم والانتصاف من هؤلاء الذين اغتصبوا حقاً من الحقوق؛ فيقوم هذا النسق من القضاء وقضاته لاسترداد الحق المسلوب حتى تتحقق العدالة.

ويحرص ولي الأمر في بلدنا على استقلالية قضاة هذا النسق ومنحهم الصلاحيات الكافية بما يمكنهم من إحقاق الحق وإقامة العدل بين الناس.

ويعتبر نسق العدالة في بلدنا المعطاء نموذجاً نزيهاً عادلاً والحمد لله للقضاء الإسلامي.

ومما يميز القضاء الإسلامي ثباته على الحق والاعتصام به. الجهر به وإذاعته بين الناس والمناداة به؛ فالحق أحق أن يتبع؛ إذن فالعدالة ضرورية لإقامة الحق، وفي هذا ضمان للعدل، وتبيان ذلك واضح في القرآن الكريم: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} (90)سورة النحل.

هذا وبيّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن العدالة تمكن للحاكم أمره؛ فإذا ما ترك الحق (العدل) بين الناس اختل نسق آلية الدولة، وباتت في قلق من النيل من تحري العدل وإقامته بين الناس.

ولذا فقد اتفق المسلمون على أن يلتزم القاضي بالحياد التام وأن يسوي بين الخصمين في خمسة مواقف هي: عند الإقدام عليه، وعند الامتثال أمامه، ويقوم بالإقبال على الخصمين معاً، والإصغاء إليهما، وعند الحكم عليهما.

ومن المرتكزات التي يستند إليها القاضي في حكمه ضرورة الربط بين الحكم وإمكانات تنفيذه، والصلح جائز بين المسلمين إلا إذا كان الصلح يحل حراماً أو يحرم حلالاً. إن الرجوع إلى الحق فضيلة، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.

والمسلمون عدول بعضهم على بعض.

وعلى القاضي أن يعلم بأن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر ويحسن به الذخر، وليعرف أن من صحت نيته وأقبل على نفسه، كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه أثابه الله، وعلى الله قصد السبيل.