ضمائر وقلوب الناس نوعان متناقضان كاللونين الأبيض والأسود... فالقلب الأبيض يشبه القماشة الناصعة التي يظهر عليها أثر أي شائبة أو لون طارئ لكونه مرتبطاً بالوضوح والصفاء والحنان والبراءة بينما لا يظهر على لوح القلب الأسود سوى الحزن والغضب والغموض.

وبين هذا وذاك، يظهر لون رمادي لا نعرف كيف نعبِّر عن ماهيته سوى أنه منطقة وسطى بين الأبيض والأسود والذي يظهر غالباً عندما يعكر قليل من الأسود نقاء الأبيض، بمعنى أن يقتحم الحزن أو الغضب النفس المسامحة والقلب الصادق الكبير.

فتعريف الألوان ومدلولاتها يعد محاولة بشرية للتعبير عما يتنازع في داخلنا من عواطف وحالات وصفات، إذ نرى كل شخص يميل إلى لون محدد يعبِّر بشكل من الأشكال عن صفة من صفات شخصيته.

أما المنطقة الرمادية فهي تعبِّر عن نوع من التردد وعدم الوضوح ومن يغرق فيها يجد نفسه غير قادر على الاختيار والحسم في المسائل المصيرية وبالتالي يثير حيرة الآخرين ويؤجج النار داخلهم خاصة إذا كانوا من النوع الواضح الجريء القادر في أغلب الأحيان على الاختيار بين الأبيض والأسود.

وإن كان بعض الناس يفضِّلون البقاء في المنطقة الرمادية تفادياً للآثار المترتبة على الاختيار الصريح واستسهالاً للمواقف، فإنهم يرزحون تحت إرهاق كبير تسبّبه هذه الحالة لكونهم يعرفون الصح والخطأ ويتجاهلون ذلك طلباً للسلامة كما يعتقدون، فعدم الانحياز والإحساس بالتردد وعدم القدرة على اتخاذ قرار واضح من أكثر الأحاسيس إرهاقاً، ولعل إقدام الرماديين ولو مرة واحدة على تجربة يختارون خلالها بين الأبيض والأسود حتى لو كان الاختيار خاطئاً المهم أن يكون حاسماً، سوف ينتشلهم من عذابهم وسيشعرون بالراحة مبتعدين شيئاً فشيئاً عن روح الانهزامية والتهرب من المسؤولية التي كانت تسيطر عليهم.