تنتاب الطفل أحيانا نوبات غضب عارمة في الأماكن العامة ـ أو حتى داخل المنزل ـ فيصر على شراء ألعاب معينة أثناء التسوق من الجمعية أو يتصنع الجوع حتى تشتري له الأم وجبة من محله المفضل، وحينما ترفض يبدأ الصراخ والثورة والتهديد بعدم مواصلة السير ثم يرتمي على الأرض مما يسبب الحرج والضيق.
قد تنشأ هذه النوبات عن الارهاق الزائد أو الانفعالات القوية أو الضغوط التي تصاحب المناسبات السعيدة مثل الأعياد والحفلات، وعلى الرغم من ان هذه النوبات قد تقل تدريجيا عند عمر السادسة، الا ان الطفل قد يظل يمارس هذه النوبات حتى الثانية عشرة بين الحين والآخر، مما يؤدي الى تعذيب الوالدين عندما يرون فلذات أكبادهم يعانون ثورات الغضب والضيق.
جمعنا لك هنا بعض الأساليب التي تتناسب مع الأطفال من مختلف الأعمار لكي يستعيد الطفل المشاعر الايجابية ويحسن التصرف خارج المنزل وداخله.
في عامه الأول

يعبر الرضيع عن حاجاته بالبكاء حتى تلبى، ومن ثم تتمكن كل أم من بناء مخزون استراتيجي من الحيل المتوارثة لوقف بكاء الطفل سواء بتقديم السكاتة أو الغناء بصوت هادئ حنون، كما تتخذ ردود أفعال عملية اذا كان الطفل مبللا أو جائعا أو مريضا. ولكن احيانا لا تجدي هذه الاجراءات نفعا، فيصل الرضيع الى قمة الغضب.. فما الحل؟
يرجع معظم البكاء في مثل هذه الحالات الى نمو الطفل غير الملحوظ أو لأسباب عاطفية، كتعلم مهارات حركية جديدة مثل تعلم الجلوس في الشهر السادس أو القلق من وجود غرباء في عمر 9 أشهر. أو قد يكون السبب راجعا الى ضغط عصبي أو ارهاق، وفي كل الأحوال قد لا تستطيعين تخمين السبب وأثره، فلا تضيعي جهودك الذهنية وتصرفي بشكل عملي، فالحركة هي المهدئ متعدد الفوائد. هزي الطفل أو هدهديه أو اصطحبيه في جولة بالسيارة أو ضعيه في العربة المخصصة لتنقلاته وحركيه إلى الأمام والخلف.
لا تدعي صراخ الطفل الهستيري يؤثر فيك، بل ظلي هادئة، فالرضيع يستشعر الهياج والاحباط مما يزيد من ثورته.

حتى يبلغ عامين

قد يرغب الطفل في اللعب بالمقص اللامع الذي تعب حتى جلبه من فوق المنضدة، أو قد يرغب في ان تحضنيه بين ذراعيك بدلا من تركه سجين المقعد المرتفع. ولكنك قد لا ترغبين في هذا أو ذاك، وبالتالي ستبدأ الثورة، لأن محاولات الطفل في الاعتماد على نفسه بدأت بعد ان خطا أولى خطواته في الحياة، وصار يكره كلمة 'لا'، ويشعر بخيبة الأمل والاحباط المستمر لمحاولاته، فينشأ بينكما ما يسمى بصراع القوى اليومي الذي يسبب بدوره نوبات الغضب.
قدمي للطفل بدائل معقولة بدلا من الشرح البالغ التعقيد لأسباب عدم سماحك له بفعل ما يريد. فاذا صرخ لأنك لم تسمحي له بتناول الكعك قبل العشاء، اخبريه بأنه يستطيع تناول البسكويت المملح أو مشاهدة شريط فيديو لفيلم كارتوني حتى يحين موعد العشاء. ويعتبر ابعاد الطفل عن المؤثر الذي سبب له نوبة الغضب، كأن تحمليه خارج المطبخ بعيدا عن الكعك مع التربيت على ظهره ومداعبته بلطف، مساعدة له في الانتقال من حالة الهستيريا الى الهدوء.
لا تستسلمي لمطالب الطفل بقول 'هذه المرة فقط' حتى في وجود حماتك في موقع الاحداث، فالأطفال يعرفون كيف تسير الأمور من حولهم. فاذا عرفوا ان الثورة ستحقق لهم ما يريدون، خصوصا بعد ان رفض احد الوالدين ستستمر الانفجارات في المستقبل.

من عمر 3 إلى 5 أعوام

يبدأ صراع القوى بين الأم والطفل أكثر من ذي قبل، فتنفجر ثورة الغضب لمجرد ان الأم نسيت ووضعت المصاصة داخل علبة العصير، في حين ان الطفل يرغب في فعل ذلك بنفسه.
قومي سلوك الطفل غير السوي بوضعه في منطقة بالمنزل وحده، ثم اتركيه وانصرفي حتى يتعلم فن التأديب الذاتي، وتتاح لك انت دقائق لتهدئة أعصابك، واشرحي له انك تتركينه بمفرده 'سأتركك حتى تهدأ، واذا تحسنت حالتك تعال وانضم الى الأسرة أو الى الأصدقاء'. واذا لم تجد هذه الطريقة نفعا، أفهميه انك تقدرين مشاعره وتفهمين ما يعانيه 'اعرف انك حزين لأن مكعباتك تنهار بعد ان قضيت الوقت في ترتيبها بعضها فوق بعض' أو 'اعرف انك غاضب لأن اخيك خطف لعبتك'، فمثل هذه العبارات تطمئن الطفل وتفتح بينكما حوارا يشرح فيها مشاعره وسلوكه.
اما في حال حدوث هذه الثورة في مكان عام، فاستخدمي معه اسلوب المقايضة، كأن تقولي له 'سأشتري لك ما تريد اذا التزمت بالهدوء حتى ننتهي من عملية التسوق'، ومن ثم سيتعلم الطفل ان حسن السلوك يكافأ. ومن الأفضل ان تعقدي هذه الصفقة قبل دخول الجمعية 'اذا لم تتشبث بالأشياء وتبكي سأشتري لك نوع رقائق البطاطا الذي تحبه أو سأعطيك عملة معدنية لكي تشتري العلكة بنفسك'، ثم اذا انفجر في البكاء على الرغم من هذا العرض السخي، قللي الخسائر وعودي الى المنزل فورا مع حرمانه من كل المميزات التي وعدته بها.
لا تفترضي ان طفلك يفهم الوقت، فلم يتكون لديه الحس الزمني بعد، لذلك لن يفهمك اذا قلت له 'سنغادر بعد عشر دقائق' بل اجعلي الأمور مجسمة في ذهنه 'عندما نصل عند آلات الدفع سيحسب لنا الرجل الجالس هناك ثمن ما اشتريناه ثم ننصرف'.

من عمر 6 إلى 12 عاما

عندما يصل الطفل الى عمر المدرسة تتكون لديه مفردات لغوية أكثر تعبيرا يستطيع من خلالها فهم مشاعر الغضب، لذا فهو لا يحتاج كثيرا لنوبات الغضب للتعبير عما بداخله، كما انه سيتعلم من خبراته السابقة ان العاصفة التي سيثيرها تجلب له المشاكل عادة.
ومع ذلك قد تتمكن من الطفل مشاعر قلة الحيلة وخيبة الأمل لأن الوالدين غيرا رأيهما بشأن شراء تلفون محمول مثلا، مما قد يشعل شرارة الغضب العارم لديه.
عندما ندرك ان تصرف الطفل المتفجر لا يلائم عمره، لابد ان يكون رد الفعل على سلوكه هذا الحزم والاتزان ذاتهما اللذين كان على الوالدين الالتزام بهما في عمر أصغر، كأن يبعدانه عن المكان الذي انطلقت فيه العاصفة واذا حدثت هذه النوبة اثناء التسوق فسيحتاج الى حملة خارج الجمعية، حتى ان كان في السابعة لأنه يتصرف مثل من هم في الثالثة من العمر فعامليه كما يعاملون واحضنيه حتى يهدأ.
اما اذا تحول غضب الطفل الى التدمير كأن يكسر الأشياء من حوله، فان عزله وحرمانه من المميزات التي يحبها سيجعله يفهم انكما لا تتحملان مثل هذه التصرفات.
بمجرد ان يهدأ الغضب شاركيه في وضع سبل لمنع حدوث هذه النوبات في المستقبل، وناقشيه في أسباب غضبه اصلا، وما الذي سيحميه من هذه التبعات فيما بعد، وبالتالي ستقصر مدة النوبات وتتباعد لأن اشراك الطفل في عملية تنظيم انفعالاته تعتبر احدى المهارات التي يجب ان يتعلمها الطفل في سنوات عمره المبكرة.
لا تقللي من شأن الطفل وتنعيته بنعوت تؤثر في تقديره لذاته 'لا تبك مثل الرضع فقد كبرت على ذلك' أو 'هل أنت رضيع لتفعل ذلك'، فمثل هذه العبارات غير منصفة لأن الطفل مازال طفلا، فعامليه على هذا الأساس.