" محمد الأحمد السديري "

إنه ذلك الشهم الذي رضع الكرامة فوق تراب الجزيرة العربية
إنه خال الملوك والأمراء , إنه الأديب الفطحل , والكاتب الحاذق والباحث الجهبذ

ابن الشرف الأسمى والمجد المحلى , إنه الشاعر المخضرم ذلك الشاعر الذي سارت
بقصائده الركبان وتغنوا بقصائده أبناء الحاضرة والبادية على حدٍّ سواء ,
إنه ذلك الشاعر التي أصبحت أبياته منذ عشرات السنين مضرب المثل مع أبناء الجزيرة ,
شَاعر غني عن التعريف لما له من شهرة واسعة ومكانة كبيرة وشاعرية فذة .
فهو أديب كبير ساهم في خدمة الأدب الشعبي ورقيه وتألقه .

مولدة :
ولد عام 1340ه تقريبا في مدينة ليلى بالافلاج حيث كان والده أميراً عليها ,
ثم انتقل مع والده إلى الغاط ونشأ وترعرع هناك في كنف والده ودرس الإبتدائية
على يد الشيخ عبدالمحسن المنيع .


هواياته :
شغف في بداية حياته بركوب الخيل وكان معروفا بسرعة العدو الجري ,
حتى قيل: انه كان يلحق الصعاب من الإبل ويمسك بها مارس هوايته المحببة
ركوب الخيل والهجن كما أنه كان مولعا بالقنص وإقتناء الطيور النادرة .


المناصب التي تقلدها :
في السابعة عشرة من عمره اختاره الملك عبدالعزيز - رحمهما الله - اميرا على الجوف
سنة 1357ه واثبت وجوده ودرايته وكان مما قام به تصفية قطاع الطرق والخارجين على الدولة
على الحدود الشمالية والشمالية الشرقية ثم انتقل الى منطقة جيزان عام 1363ه

وتولى امارتها ومكث هناك، وعندما ثارت المشاكل على الحدود السعودية اليمنية بعد
الاطاحة بالامام يحيى بن احمد سيطر معاليه على الحدود بحنكة ودهاء وعين عام 68ه قائد
للفدائيين السعوديين في فلسطين ثم اختاره الملك عبدالعزيز محافظا لخطوط الانابيب
وقرر رحمه الله ان يتخذ مدينة عرعر مركزا للمحافظة وكانت حينذاك صحراء قاحلة وخوله
الملك عبدالعزيز للتصرف بالاراضي فأسس ثلاث مدن رئيسية هي عرعر والقيصومة
وطريف وساعد ذلك على توطين القبائل حتى اصبحت مدن مليئة بالحركة
والنشاط والتقدم, بعد وفاة الملك عبدالعزيز نقل الى جيزان مرة ثانية ثم اعتزل
المناصب إلا أنه عاد وتولى قيادة الجيش بالمنطقة الجنوبية ومكث
ثماني سنوات حتى انتهت حرب اليمن .

وفــاته :
قضى بقية حياته متنقلا بين الطائف ومزرعته الخفيات شمال بريدة ,
على طريق حائل حتى داهمته ازمة قلبية حادة لازم الفراش لمدة شهر حتى توفي
عام 1398ه بالرياض ودفن بالخفيات في شمال القصيم - رحمه الله - وأسكنه
فسيح جناته وقد رثاه عدد كبير من الشعراء بقصائد تدمي القلوب .


شعــره :
أما شعره فهو يعد من ابرز الشعراء وأرفعهم منزلة وله مكانة
في قلوب عشاق الشعر ومحبيه , وكان رحمه الله من المشهود لهم بمكارم
الاخلاق فهو كريم سخي اليد يعطي ويساعد المحتاجين بلا حدود وكانت مجالسه
دائما عامرة بالضيوف من جميع انحاء المملكة والخليج بل والدول العربية من ادباء
وشعراء كما انه كان يتمتع بسعة الصدر وحب الناس ولا يمل من يجالسه من احاديثه
الشيقة والممتعة وقد عرف عنه شجاعة نادرة وإقدام على الصعاب
والحروب وكان ذكيا حاضر البديهة ملما بأحوال العرب واشعارهم وأدبهم وحروبهم
ومواقفهم عالما بالانساب قوي الفراسة ومهما تحدثنا
عنه لن نوفيه حقه .

فمن منا لم يسمع بالبيت القائل :
لا خاب ظنك في الرفيق الموالي
...... مالك مشاريهٍ على نايد الناس


ومن منا لم سمع ولم يردد هذا البيت القائل :
لولا الهرم والفقر والثالث الموت
...... يالآدمي في الكون يا عظم شانك


ومن منا لم يتغنى بهذه الأبيات القائلة:
كم واحدٍ له غايةٍ ما هرجها
...... يكنّها لو هو للادنين محتاج
يخاف من عوجاً طويل عوجها
...... هرجة قفا يركض بها كلّ هراج
يقضب عليك المخطيه من حججها
...... حلوٍ نباه وقلبه اسود من الصاج


ومن منا لم يسمع هذه الأبيات الثلاثة المبكية, ولم يسمع كبار السن
وهم يتغنون بها :
سلطان شفت الموت مره ومره
...... والثالثه يا مير كشر بنابه
ما ابيه لكنه بلاني بشره
...... زودٍ على خيله يجمع ركابه
لوهوظهر لي في صحاصيح برّه
...... نذرٍ علي اني لأبيّن صوابه


يعد محمد الأحمد السديري مدرسة شعرية قائمة بذاتها تتلمذ وتخرج على يدها أجيال من الشعراء
تلتها أجيال ومن أعظم شعراء النبطي له أبيات خالده سارت مسار الأمثال , شهرته قد غطت
الأفاق لاسيما عند القبائل العربية التي تجوب شمال الجزيرة من الاردن
فالشام فالعراق ,
ومن أواخر شعراء النبط من طبقة آباء الشعر النبطي وقد اهتم بالتراث النبطي ,
وألف فيه (أبطال من الصحراء) وكراسة في الحداءوالملاحم :
(الدمعة الحمراء والملحمة الزائدية والملحمة الشعبية)

وطبع شعره في أكثر من ديوان منها :
_ الديوان الأول للشاعر الأمير محمد السديري. وصل إلى ثمان طبعات
_ أبطال من الصحــراء
_ الدمــعه الحمراء(قد عرضة كمسلسل بدوي)
_ الجديد قصائد الأمير محمد السديري
_ محمد بن أحمد السديري أميراً و شـاعراً


له عدد من القصائد يفاخر بها ويحق له الفخر ,
دعونا نبحر مع رائعته الملحمة الزايدية ونقف مع بعض ابيات هذه الملحمة :
عفا الله عن قلب يزيد عناه
...... وداعي غرامه للغرام دعاه
ماطاع عذالٍ يعذله من الملا
...... وان سمع عذاله يزيد عناه
إلى توسع خاطره ربع ساعه
...... على الضيق داكوك الهموم نحاه
قلب براه مجادل الظيم والعنا
...... الظيم من بين الضلوع براه
دع القلب ياعذال خله بغايته
...... هواك مايتبع طريق هواه


وننتبه الى اسلوب خاص اتبعه الأمير الشاعر في هذه الملحمه اذ يستمر طيلة
مقطع كامل يقع في خمسة عشر بيتا يستمر في اشتقاق مدخل البيت من قافية البيت السابق له
في تتابع جميل يربط المقطع كله بنفس واحد يستشق المعاني او المداخل الى هذه المعاني
بعضها من البعض الاخر وتبدأ هذه القطعة الجميلة بالشكوى من التيه في بحور الغرام المظلمة
والحبيب الجائر الذي رمى حبيبه بسهام العيون النافذة ثم فاجأه بداهية الفراق :

قد تاه ببحور الغرام المظلمه
...... دليل الخطا عن من يريد نحاه
نحاه عن حي يوده من الملا
...... وما فات من يومٍ يزيد غلاه
غلاه في قلبي تجدد علايمه
...... وتكتب على القلب الدريك اسماه
اسماه وأن عرضت مع الناس صفقت
...... محاني فوادى والحبيب رماه
رماه بسهوم المحاجر وجندله
...... قليل الفزع ظلم الحبيب دهاه
دهاه بالفرقا وقلبي له انتحا
...... يتله ومن بين الظلوع لواه
لواه يوم انه على الحب يلتوي
...... ومن دينه دين الجميل اوفاه
اوفيه بالروح العزيزه ولو غلت
...... روح تبي روح تحب جزاه
اجزاه لو انه رماني وجادني
...... يمحا خطا الغالي عظيم إرضاه
إرضاه يبهج خاطري عقب ضيقته
...... ويرتاح قلب بالفؤاد فراه
فراه في وسط المحاني وعذبه
...... وان عذبه سهل عليه أدواه
دواه عنده سبايب مصايبه
...... واشفاه من كوثر نظيم شفاه


وفي الملحمة ايضاً هذه الابيات الحكيمة:
يمنى بلا يسرى قليلٍ حصيلها
...... ورجلٍ بلا ربع يخاف اعداه
ماهبلك ياباغي من النذل فزعه
...... رجواك من عند الجبان سفاه
رفيق الرخا ينسى مودة رفيقه
...... ليا ضاق به شين الزمان نحاه


ثم ينثني الى مخاطبة سامعه موصياً إياه:
إختر من الخلان حي توده
...... تسبق على فعل الجميل يداه
دليل على العليا بعيد من الخطا
...... الطيب في دنيا الحياة مناه
ماجال في قلبه من الخوف جايل
...... وان كاد مرقا الطيلات رقاه
ولا ضعف النفس العزيزه الجارته
...... ولاهروولت للمحصنات إخطاه


ثم يتحدث عن اصله ونسبه وعن افعال قومه وشمائلهم وخصالهم الكريمة
وعن شجاعتهم في مواجهة الأعداء وعن كرمهم وجودهم في مقابل صفات الخنا والنذالة
التي يتصف بها بعض الناس :

ياناشدٍ عني وانا لي قبيله
...... لها المجد زايد بالرفاع بناه
وكمل مقام المجد عامر وشيده
...... طريق المعالي للدخيل مشاه
كونٍ جرى على واضح النقا
...... الاشراف جضت من عظيم بلاه


الى ان قال:
الاجواد آيات الندى في وجيهها
...... والانذال شرى ما يذاق جناه
الاجواد ما تنوي بك البوق والردى
...... والانذال عيب ما يعد غياه
الاجواد فعل الخير لذة نفوسهم
...... والانذال ملزوم يشاف خناه
الاجواد جنات تعاقب أنهورها
...... والانذال صلدا من صخور صفاه




يَتبعْ /