http://www.alriyadh.com/2010/10/23/article570618.html

حول العالم

اليابانيون في الأرض

فهد عامر الأحمدي
تحدثت في آخر مقال عن أفضل وأسوأ السياح حول العالم - من وجهة نظري - وأيضا من وجهة نظر آلاف الفنادق والعاملين في المجال السياحي حول العالم (ممن قامت شركة اكسبيديا باستفتاء آرائهم) .. وكان جميلا أن تتفق وجهة نظري (التي شكلتها من خلال رحلاتي الكثيرة) مع وجهة نظر اكسبيديا لترشيح السياح اليابانيين في المركز الأول عالميا...
فاليابانيون بطبعهم شعب مؤدب وخجول وقليل الاعتراض (لدرجة يمكن حبسهم في الباص لمدة ساعتين بلا مكيف دون أن يتذمروا حسب قول مرشد ألماني قابلته في فرانكفورت) . وأنا شخصيا أعتبرهم أصدقاء سفر من كثرة عددهم وكثرة ما رأيتهم في كل دولة أزورها .. وهم يعدون بالفعل الاكثر عددا وانتشارا بين سياح العالم وقد يشكلون لوحدهم 90% من الأعمال الموسمية للمكاتب السياحية، ويعود السر الى تمتعهم بدخل فردي مرتفع (وهذا أولا) وحقيقة أنهم أمة كبيرة يبلغ عددها 140مليونا (وهذا ماينعكس على عددهم في الخارج)!!
ففي كل عام يسافر 10% من كامل الشعب الياباني للخارج (وهو ما يساوى 14 مليونا). ولك أن تتصور طغيان الملامح اليابانية حين يذهب كل هذا العدد الى وجهات سياحية محددة مثل باريس ولندن ونيويورك .. ولأنهم يتفوقون على بقية الجنسيات المسافرة (في الكم والنوع) أصبح استقطابهم الشغل الشاغل لمكاتب السياحة الدولية، فهذه المكاتب اصبحت تصدر نشرات خاصة باللغة اليابانية، كما لجأت الفنادق والمحلات التجارية الى الاستعانة بموظفين يابانيين للتعامل معهم بشكل مباشر، كما أصبح الهم الأول للسفارات الاجنبية في اليابان الترويج لبلدانها سياحيا في وسائل الاعلام الداخلية !
... غير أن خجل وأدب اليابانيين وعدم ثقتهم بالآخرين يصل في نظري إلى حد مرضي، فهم مثلا يسيرون ويتنزهون ويدخلون المطاعم بشكل جماعي ضمن أفواج رسمت خطواتها مسبقا (وإن كنت أعترف بمشاهدتي بوادر تغير لدى الأجيال اليابانية الأصغر سنا) .. وما زاد الطينة بلة ان مخارج الحروف لديهم لاتسمح لهم بالتحدث بالانجليزية ولا بأي لغة أجنبية أخرى بطريقة واضحة أو مفهومة .. أضف لهذا أنهم رغم تعاملهم الراقي لا يثقون بالأجانب بسبب ثقافتهم المتمايزة والناتجة عن الانغلاق عن العالم لأكثر من ثلاثين قرنا (حتى جنكيز خان فشل في الوصول اليهم في ثلاث محاولات متتالية)..
ولكن! رغم هذا الطبع الانغلاقي ادرك اليابانيون اهمية الانتشار العالمي كضرورة تجارية وحياتية (كون اليابان بلادا فقيرة بمواردها الطبيعية وتعتمد بشدة على التجارة الدولية والتصدير للخارج) . ولكنهم على عكس اليهود فى الماضي والأمريكان في الحاضر والبريطانيين زمن الاستعمار استطاعوا تحقيق مكاسبهم العالمية دون اختلاط كبير او تمازج حقيقي مع الشعوب التي يتعاملون معها أو يسيحون فيها .. وهكذا أصبح اليابانيون مفارقة تاريخية تجمع ببراعة بين الانفتاح التجاري والسياحي من جهة والانغلاق الثقافي والتقوقع الذاتي من جهة أخرى ...
ولا يعبر عن هذه المفارقة أكثر من مرشد سياحي إيطالي همس في أذني متذمرا: اليابانيون يزورون إيطاليا ولكنهم لا يرون الإيطاليين، ويأكلون البيتزا ولكن في المطاعم اليابانية .