تعتبر الابتسامة مبتدأ الضحك وهي انفراج الفم بلا صوت، قال تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا} قال الزجاج :(التبسم أكثر ضحك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام)، وقال الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} قال ابن عباس رضي الله عنهما، أي خلق في الإنسان الضحك والبكاء، وفي صحيح مسلم أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)، وعن جرير رضي الله عنه قال: ما حجبني النبي صلّى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي، وفي الحديث: (تبسّمك في وجه أخيك صدقة)، وعن عبدالله بن الحارث رضي الله عنه قال: (ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلّى الله عليه وسلم).
إن الابتسامة الصادقة النابعة من قلب صادق في وجوه الناس تحدث في لحظة ويبقى ذكرها وأثرها الجميل دهراً، لذا فهي المفتاح (الماستر كي) المؤكد لفتح أقسى القلوب ومداواة الجروح المعنوية بل والحسية أحياناً، وهي العصا السحرية التي تكبت الغضب وتسرّي عن القلب، وإذا كنا نحتاج إلى تعلّم العديد من اللغات لنتفاهم مع جميع الناس فالابتسامة هي اللغة التي يفهمها الجميع ولا تحتاج إلى ترجمة فهي تعني الحب والأمان، وهي جواز سفر تستطيع به أن تدخل إلى القلوب، بل إن من أجمل الأشياء في هذه الحياة تلك الابتسامة الصادقة التي تشق طريقها وسط الدموع وتبعث الأمل بمستقبل مشرق.
وإن نجاح الإنسان في هذه الحياة يكمن تحقيقه بعد توفيق الله بالعمل الجاد والكفاح الذي لا يعني التجرّد من الإنسانية اللطيفة المتمثلة في البسمة الصادقة في وجوه الآخرين كبيرهم وصغيرهم، قويّهم وضعيفهم، وقد قال الصينيون في أحد أمثالهم: الرجل الذي لا يبتسم لا ينبغي أن يفتح محلاً ويبيع فيه! لأنه سيخسر! أما البائع الذي يكدح ويكافح ويبتسم فسيربح. يقول مدير مصنع في أمريكا: لقد أكسبتني الابتسامة مليون دولار، والرجل الذي يبتسم كثيراً رجل اجتماعي محبوب ومقبول من قبل الآخرين، وكذلك المرأة عندما تبتسم فإنها تبدو أكثر جمالاً وتألقاً وقبولاً وتوصف بأنها تمتلك أنوثة أكمل، إذاً بالابتسامة تكسب الآلاف من الأجور مع الآلاف من القلوب والآلاف من الأموال وتزداد جمالاً وتألقاً وقبولاً، وهي مع ذلك لا تكلفك شيئاً وتعود عليك بالخير الكثير.
ومع ابتعاد البعض منا وأنا منهم عن الاقتباس من هدي النبي صلىّ الله عليه وسلم في هذا الزمان، ومع ضغوط الحياة وتراكم المهمات وكثرة الأعمال وتلهّف الناس نحو مصالحهم الشخصية وجمع المال وتوفير أساسيات ومتطلبات الحياة وكماليتها، ومع انتشار الكثير من الأمراض المعنوية كالكذب والغش والحقد والكِبْر وغيرها افتقر - أو افتقد - الكثير من أفراد المجتمع إلى الابتسامة الصافية الصادقة، بل أصبح من الغريب أن ترى إنساناًَ يبتسم لك وفي المقابل يستغرب هو إن ابتسمت له، وظن البعض أن في الابتسامة إنزالاً من مكانتهم ونقصاً من هيبتهم أمام الآخرين أو أنه أصبح من العيب عندهم أن تبتسم في وجوه جميع الناس، لذا لا تراهم إلا متجهمين عبوسين مقطّبين وكأنك قد سرقت منهم مالاً أو قتلت لهم قتيلاً، أو اعتقد بعضهم أنهم إذا ابتسموا في وجهك ستنقص أرصدتهم في البنوك أو سيخسرون مساهماتهم في الشركات، وأنك إذا ابتسمت في وجوههم اعتقدوا أنك تريد منهم مصالح من وراء هذه الابتسامة!
أخيراً: طهّر قلبك وأحسن الظن وتفاءل بالخير، وجرّب أن تبتسم من اليوم في وجوه من يقابلونك وسترى أنهم جميعاً يبتسمون في وجهك بل ستجد الدنيا كلها تبتسم في وجهك وستشعر بالسعادة، ثم جرّب الآن بعد قراءة هذا الموضوع أن تبتسم (ابتسم).