بالتأكيد سمعتم بما يُسمى "عيد الأم"، أو ما يطلق عليه البعض "يوم الأم"، فما هية هذا العيد وكيف وصل البلاد العربية والإسلامية، وما موقف الشرع من تخصيص يوم في السنة ذكرى للأم؟ هذا ما سأتطرق إليه في الأسطر القليلة القادمة ..


أولا .. الأم في الإسلام

وردت الكثير من الأحاديث النبوية في عظيم فضل الأم ووجوب برها .. ولعلي أستعرض بعضًا منها ..

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك . رواه البخاري ومسلم .

وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمتْ عليَّ أمِّي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : قدمتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة أفأصل أمي ؟ قال : نعم صِلِي أمَّك . رواه البخاري



ثانيًا .. كيف وصلت بدعة عيد الأم للدول العربية من بلاد الغرب؟

"بدأت فكرة الاحتفال بعيد الأم العربي في مصر على يد الأخوين "مصطفى وعلي أمين" مؤسسي دار أخبار اليوم الصحفية.. فقد وردت إلى علي أمين ذاته رسالة من أم تشكو له جفاء أولادها وسوء معاملتهم لها.. وتصادف أن زارت إحدى الأمهات مصطفى أمين في مكتبه.. وحكت له قصتها المحزنة، فكتب مصطفى أمين وعلي أمين في عمودهما الشهير "فكرة" يقترحان تخصيص يوم للأم يكون بمثابة تذكرة بفضلها، وأشارا إلى أن الغرب يفعلون ذلك، وإلى أن الإسلام يحض على الاهتمام بالأم، فانهالت الخطابات عليهما تشجع الفكرة، ورفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للأم وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم واحد، وشارك القراء في اختيار يوم 21 مارس ليكون عيدًا للأم، وهو أول أيام فصل الربيع.. واحتفلت مصر بأول عيد أم في 21 مارس سنة 1956م .. ومن مصر خرجت الفكرة إلى البلاد العربية الأخرى ..." منقول بتصرف

وأزيد على هذه المقالة بأن عيد الأم في أمريكا هو يوم 12 مايو، أي أنه مختلف تمامًا عن اليوم الذي تحتفل فيه بعض الدول العربية به للأم، ولكن الفكرة الأساسية تبقى مستوردة من الغرب ..



ثالثًا .. موقف الشرع من هذا العيد

مااتفق عليه جميع علماء الأمة الإسلامية أن حصر تكريم الأم في يوم واحد من السنة، هو حرام .. فتكريم الأم مطلوب على مدار السنة كلّها.

و لكن إقامة هذه المناسبة كان فيه بعض الاختلافات، فبعضهم قد حللها إذا لم يُمارس فيها ما يعتبر في العرف من ممارسات العيد، أي اعتباره مناسبة وليس عيدًا، وجعلها فقط مناسبات للتكريم الإضافي من دون التزامها سنويًا .. فلا يرون فيه مانع شرعي، وبالنسبة للتشبه بالكفار، فإنهم لا يعتبرونه كذلك، ويعللون بأن تكريم الأم له أصل شرعي معروف، ولا يعتبر من التشبه المنهي عنه.

وهناك العديد من العلماء الذين حرموا إقامة هذه المناسبة قطعيًا، ومنهم العلامة بن باز والشيخ بن عثيمين رحمهما الله .. فهم يرون أن في ذلك بدعة وتشبهًا بالكفار إضافة إلى تحريمهم كما ذكرنا حصر تكريم الأم في يوم واحد ..

================================================== ================

بعض فتاوى التحليل والتحريم

أولا .. فتاوي التحريم .. سماحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عندما سًؤل عن حكم الاحتفال بعيد الأم، فأجاب قائلا:

" إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة ، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضا ، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه وتعالى ، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام ؛ وهي عيد الفطر ، وعيد الأضحى ، وعيد الأسبوع " يوم الجمعة " ، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة ، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها ، وباطلة في شريعة الله سبحانه وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ ) . أي مردود عليه ، غير مقبول عند الله . وفي لفظ : (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) .

وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال والمسمى عيد الأم ، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد ؛ كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك .



والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به وأن يقتصر على ما حده الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه ولا ينقص منه ، والذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق ، بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى ، حتى يكون متبوعا لا تابعا ، وحتى يكون أسوة لا متأسيا ، لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً ) المائدة/3 .

والأم أحق من أن يحتفى بها يوما واحدا في السنة ، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها ، وأن يعتنوا بها ، وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان ومكان " . انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/301) .

================================================== ================

ثانيًا .. فتاوي تحليل إقامة مناسبة يوم الأم - بضوابط - ..


يقول الشيخ فيصل مولوي (نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء)

تكريم الأم مطلوب على مدار السنة كلّها. واحترامها وطلب مرضاتها وخدمتها وسائر أعمال البرّ مطلوب طلباً مؤكداً في كتاب الله وفي سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أصبح مشهوراً على ألسنة جميع الناس.

إلا أن الغربيين اعتادوا على تحديد أحد أيام السنة واعتبروه عيداً للأم، يقوم أولادها فيه بتقديم الهدايا لها وتكريمها. والمسلمون ليس عندهم عيد من الناحية الشرعية إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وما سوى ذلك من مناسبات تحدث فهي لا تتجاوز أن تكون مناسبة أو أن تسمّى مثلاً يوم الأمّ أو ذكرى يوم معيّن. فإذا اعتبرنا ما يسمّيه الغربيون عيداً للأمّ يوماً لتكريمها تكريماً إضافياً فليس هناك مانع شرعي في هذا الأمر.

والحرج الشرعي يكون في اعتبار هذا اليوم عيداً بالمعنى الشرعي. ويكون كذلك في حصر تكريم الأم بهذا اليوم. فإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج من تكريم الأمّ في يوم الأمّ، إلا عند الذين يعتبرون ذلك من قبيل تقليد غير المسلمين والتشبّه بهم.

ونحن نعتقد أن تقليد غير المسلمين والتشبّه بهم لا يجوز فيما يكون من خصوصياتهم ولا أصل له في شرعنا. أمّا تكريم الأمّ فله أصل شرعي معروف؛ وبالتالي فإن هذا الأمر لا يعتبر من التشبّه الذي نُهينا عنه.