تنفرج شفتاك عن ابتسامة عريضة، وأنت تتوقف بسيارتك، عند إشارة المرور، تلاحق بعينيك عبارة «أعط صداح فرصة» المكتوبة على الزجاج الخلفي لسيارة أمامك، وما أن تعبر الإشارة حتى تقع عيناك على عبارة «بعض الجروح إن (جات) من أغراب عادي»، يكتبها أحد الشباب على (صدّام) سيارته من الخلف، هكذا يمكن تتبع العبارات التي يكتبها الشباب باستمرار على سياراتهم، وهم يثبتون أنهم ليسوا أقل من غيرهم في التواصل فيما بينهم بعبارات مختصرة ومقتضبة.
لا يمكنك أن تعبر إلا بالدهشة وأنت ترى عبارة «قم بس قم» وهي تتكئ باسترخاء على الزجاج الخلفي لسيارة شاب يقود سيارته على الكورنيش، وتظل تتابع تلك السيارة وأنت تردد فعلاً «قم بس قم».

هذا ما يفعله الشباب عموماً، يعبرون عن شخصياتهم، بعبارات يكتبونها على سياراتهم، ربما تكون رسالة منهم، للتخاطب عن بعد، بإشارات متبادلة، يعلنون من خلالها، أن الحديث يمكن أن يكون عن بعد وبطريقة أكثر اختصارا، وأكثر مرحاً أيضا.

كانت العبارات في السابق لا تتعدى العبارات التحذيرية، كعبارة (قد بحذر)، و (أترك مسافة)، و (حافلة كثيرة التوقف)، أو (شكراً لترك مسافة).. بينما عبارات اليوم، هي تعبير حقيقي عن مزاج قائد السيارة، والتي تعكس مزاجه الشخصي بعيداً عن الجو المحيط، فمن المعتاد جداً هذه الأيام، أن ترى شاباً يقود سيارته، وسط الزحام، وقد كتب عليها باللغة الإنجليزية «away Stay ابتعد». فالعبارات الآن تحمل هوية دينية، أو اجتماعية، أو حتى مزاجية، بل حتى أن بعض منها يؤكد ولاء الشخص لفكرة، أو لناد ما، وهي أولا وأخيراً انعكاس للهوية الثقافية التي يحملها قائد السيارة، وتعكس بوضوح رؤيته للأشياء من حوله. تعبر السيارة أمامك، وتظل تبتعد إلا أنك تظل تطاردها ببصرك، فقط لأنك تريد أن تتحقق مما كتب على زجاجها الخلفي، فتكتشف مذهولاً أن صاحب السيارة، يضع رقم جواله الشخصي، وقد كتب بخط كبير «أخصائي قلوب وأحزان»، ربما هذا يؤكد أن الشباب لا يصعب عليهم أن يحتالوا بأي طريقة ليكون صوتهم أعلى من صوت محيطهم، حتى لو كسروا حاجز العادات والتقاليد، وأصول اللياقة والتهذيب.

ربما لا يكون ذلك ما يخيف فقط، أو ما يشعر البعض بالقلق، بل إن البعض من الشباب يعمد إلى وضع رموز وإشارات، لا يعرف معناها، والتي قد يكون بعضها، مسيئة للأخلاق أو للدين، أو حتى للسلوك الاجتماعي.

«البحر واحد والسمك ألوان»، «ودي لو تفهموني»، «البحث جار عن حبيب»، «خذني بقايا جروح»، «لا وقت للحب»، «لا تعاند من إذا قال فعل».. لا يمكن لأي أحد أن يحصي العبارات الغريبة، والمرحة، بل والمدهشة أحياناً، والتي يبدع الشباب في كتابتها على الزجاج الخلفي لسياراتهم، مستخدمين في ذلك أرقى أنواع الخطوط والتصاميم، معبرين بذلك عن مدى قناعتهم، بأن هناك نوعاً آخر من التواصل والاتصال يمكنهم أن يعلنوه على الملأ، مؤكدين أن تواصلهم هذه المرة عبر (صدّامات سياراتهم).