يلهج الناس بالدعاء بعد كل صلاة.. اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت.. وتحسن أصواتهم وتعلو وهم يرددون هذه الكلمات الطيبة أكثر من مرة، ثم إذا خرجوا من مسجدهم نسيّ بعضهم ما كانوا يدعون، وعادوا بانقلاب حالهم إلى التمسك بأفعال تتناقض وما تحويه كلماتهم من قناعة ورضا بما قسم الله، وحمد وشكر على ما أنعم به، ويتغير ما في نفوسهم إلى بحث بكل الوسائل، وركض في كل الاتجاهات، ليأخذوا من الدنيا كل شيء، لا يبقون شيئاً وإن خادعوا الناس أو ظلموهم أو تحايلوا عليهم، ويستسلمون لغلبة حرص أنفسهم على الدنيا وحبها للاستحواذ، فيتقاتلون فيما بينهم، ويتنافسون في غير حق للفوز والظفر بمتاع هذه الدنيا الفانية وزينتها، فيكسبون منها ما قسم الله لهم فيها لا يزيد ولا ينقص، لكنهم لا يقتنعون فيطمعون ويزدادون طمعاً في كل وقت، وما أفقد نفس صوابها وأمات فيها ما آمنت به من قيم أكثر من سيطرة الطمع عليها فلا تشبع أبداً، حتى إذا سارت الأمور على غير ما يريدون، ولم يتحقق لهم على الرغم من حرصهم ما كانوا يأملون، ضاقت بهم الدنيا على اتساعها، ولبسهم الهم، وكبر في نفوسهم الحزم والأسف على ما فاتهم، فسيطر عليهم شعورهم بالحرمان وقلة الحظ والتوفيق، فارتفعت أصواتهم لكنها في هذه المرة لا ترتفع بالدعاء الذي يريدونه إنما بالتذمر وإظهار عدم الرضا، ليعودوا بعد سماع الأذان إلى المسجد، ويدعوا بعد انتهاء الصلاة.. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت.. دون أن تبقي هذه الكلمات في نفوسهم صدى أو بقية من أثر يثبتهم عندما يخرجون من مسجدهم بأن تقلب همهم إلى أمل ورجاء وتحيل جشعهم إلى رضا وقناعة تظهر على أرواحهم قبل أن تجسدها أفعالهم.
الدعاء الخالص لله من أهم العبادات التي تقربنا إلى خالقنا ومولانا، وتعرضنا إلى نفحات من رحمته الواسعة وكرمه اللا محدود، فرب كلمة خرجت من قلب صادق، راض بما قسم الله، انطلقت دون حواجز إلى عنان السماء فتلقتها رحمة الله، وعادت إلى صاحبها وهي تحمل بشرى ما سأل، وزاده الكريم سبحانه من فضله ما شاء، فلا نجعل لدعواتنا بسوء فعلنا وما يختلج في نفوسنا ما يحول بينها وبين أن تجد القبول والاستجابة، ولندعو دون كلل - اللهم - ولنعمل دون ملل على أن نؤكد بحسن سلوكنا وطيب أنفسنا أننا نحسن الظن بمن دعوناه.. والله المستعان.
مواقع النشر (المفضلة)