مفتي روسيا : تزايد المسلمين وانتشارهم من موسكو حتى سيبيريا
أكد الشيخ طلعت صفا تاج الدين رئيس الإدارة الدينية ومفتي روسيا أن نور الإسلام دخل بلاده منذ أكثر من 1400 سنة واستشهد على أرضها كثير من الصحابة، وأوضح أن أتباع الدين الحق ينتمون إلى 38 قومية تعيش في روسيا ويتبعون كل المذاهب الإسلامية، وأشار إلى أن عملية استعادة الهوية الدينية بعد الحقبة الشيوعية تتطلب جهودا كبيرة من مسلمي روسيا وإخوانهم في دول العالم، وهم يسعون إلى حل مشكلاتهم الداخلية بالتفاهم والبعد عن الصراعات، وقال إنه دعا الى تشكيل مجلس عالمي للشورى لإقرار الأمن والسلام في العالم، مشيرا إلى وجود أكثر من 5 آلاف مسجد في روسيا تنشر الدين والوعي الصحيح. وفي ما يلي نص الحوار معه:
متى دخل الإسلام إلى روسيا؟
من نعم الله على بلادنا أن دخلها الإسلام بعد سنوات قليلة من ظهوره، حيث تؤكد المصادر التاريخية أنه دخلها في القرن الأول الهجري وأقبلت عليه كل القوميات من التتر والبشكريين والشيشان والكازاج والأنجوش وغيرهم، ومن المفارقات أن الإسلام دخل إلى روسيا قبل قرن من إعلان الأرثوذكسية دينا رسميا لروسيا وانتشر عاما بعد عام حتى أصبح الآن الدين الثاني في روسيا، من حيث عدد أتباعه الذين يتزايدون يوما بعد يوم في ظل الحرية الدينية التي يتمتع بها المسلمون اليوم، وهناك 38 قومية داخل روسيا تعتنق الإسلام وتنتشر في وسط وجنوب حوض الفولجا ومنطقة الأورال وسيبيريا وشمال القوقاز بل وفي قلب العاصمة موسكو التي فيها حوالي مليوني مسلم.
ما المذاهب التي ينتمي إليها مسلمو روسيا؟
أغلبية مسلمي روسيا من أهل السنة على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان ومذهب الإمام الشافعي وهناك أتباع للمذهب الحنبلي والمذهب الشيعي الجعفري فضلا عن أتباع الطرق الصوفية المختلفة، وهذا يمثل نموذجا فريدا للتسامح الإسلامي وغير موجود في أي دولة في العالم، حيث توجد الخريطة المذهبية الإسلامية كاملة ويتعاونون في ما بينهم ويرفضون التعصب المذهبي الذي لن يجني المسلمون من ورائه خيرا أبدا.
ما طبيعة العلاقة بين مسلمي روسيا وأتباع الديانات الأخرى في بلادكم؟
نحن مسالمون لا نبدأ أبدا بالعدوان وإنما نرده إذا وقع علينا، ومن منطلق علو الإسلام وقوة حججه لا نخشى التعاون مع أصحاب الأديان الأخرى باعتبارنا أبناء وطن واحد وهدفنا العيش في سلام وعدل ومساواة والتصدي للعنف أو الدعوة إلى تفتيت الدولة لتحقيق مآرب معينة، فالأفضل للجميع أن يتعاونوا ويتصدوا للمعتدين بعد أن نحاول إرشادهم بالحسنى في إطار قوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
ما مهمة مجلس المفتين الروسي؟
تم إنشاء مجلس المفتين رسميا في عام 1996 ووظيفته الرئيسية التنسيق بين أعضائه وتعاونهم على البر والتقوى وما فيه مصلحة المسلمين داخليا وخارجيا، ويتبعه أكثر من 40 إدارة دينية تتولى نشر العلم الشرعي، كما تتبعه منظمات وجمعيات دينية تؤدي دورها في خدمة الدين والوطن وتقوم بالتنسيق بينها في إطار الأمر الإلهي (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).
أنشأت الإدارة الدينية لمسلمي روسيا العديد من المؤسسات الدينية بهدف نشر الوعي لدى مسلمي روسيا فما مردودها؟
هناك الكثير من المعاهد الدينية لتخريج الدعاة والأئمة الذين يلقون الدروس في المساجد والتجمعات والمؤتمرات الدينية، وفي الوقت نفسه هناك جامعة إسلامية تقوم بالمهمة ذاتها، وهناك إقبال شديد على الالتحاق بها وتتميز بوسطية فكرها وتوعية المسلمين من خلال الوسائل الحديثة واللقاءات المباشرة مع جماهير المسلمين المتشوقين لمعرفة أمور دينهم الصحيحة بعد حقبة الشيوعية البغيضة التي حاربت الأديان. ونحن نحتاج إلى الدعم المعنوي من المؤسسات الإسلامية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة الجامعات الإسلامية وغيرهما من المؤسسات التي تبني الفكر الديني وتنشر الوعي وتعد الأئمة والدعاة.
وتربطنا علاقات طيبة بمختلف المؤسسات الإسلامية وخاصة التعليمية منها، ولكننا نطمح الى المزيد نظرا للحاجة الشديدة لمسلمي روسيا لمعرفة أحكام دينهم رغم جهودنا الكبيرة في سبيل ذلك.
منذ سنوات قمتم بإصدار بيان تطالبون فيه بإنشاء مجلس الشورى العالمي من أتباع الديانات السماوية الثلاث بل والوضعية لمواجهة السياسات الاستعمارية في العالم فما جدوى تنفيذ هذه الفكرة؟
يعيش العالم منذ سنوات في مفترق طرق حيث بدأت الدول الكبرى تلتهم الصغرى وتحتل أرضها وتنتهك مقدساتها بحجج واهية مثل مكافحة الإرهاب وغير ذلك، وهذا ما جعل مسؤولية القادة الدينيين كبيرة لمواجهة هذه الحملة الشرسة التي تشعل نار الصراع بين البشر، وهذا يخالف تعاليم الديانات السماوية التي تدعو إلى التعايش السلمي بين الجميع والعمل على تعمير الأرض. ومازلت مصرا على هذه الدعوة التي إذا تم تفعيلها فسيكون لها دور في المحافظة على الأمن والسلام العالمي، ورغم أنها رأت النور من الناحية الشكلية إلا أن آمالي فيها أكبر من ذلك بكثير.
بعد سقوط الاتحاد السوفييتي كيف استعاد المسلمون هويتهم التي كادت تمحى في ظل الحكم الشيوعي؟
رغم التنكيل الشيوعي بكل ما هو ديني وخاصة ما يتعلق بالإسلام إلا أن الله أنعم على المسلمين بأنهم استطاعوا حفظ الإسلام في قلوبهم وعقولهم حيث كانوا يؤدون الشعائر الدينية ويحفظون القرآن سرا وهذا لا يقلل من التأثير السلبي لهذا الاضطهاد في المسلمين من حيث مدى معرفتهم بأحكام دينهم.
ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عادت إلينا حريتنا الدينية المفقودة فانطلق المسلمون في بناء المساجد حتى وصل عددها الى أكثر من خمسة آلاف مسجد كبير بعضها في قلب العاصمة موسكو، وفي الوقت نفسه أتجه المسلمون إلى تعليم أبنائهم شؤون دينهم وتحفيظهم القرآن حتى يمكن استعادة الهوية الإسلامية.
ويضيف قائلا: لقد جعلنا المسجد وسيلتنا لاستعادة هويتنا، وقررنا أن يكون في كل مسجد هيئة شورى منتخبة من ثلاث شخصيات عامة من المعروف إخلاصهم وتأثيرهم في الآخرين والقدرة على حل المشكلات حتى ما يتعلق منها بأدق الخصوصيات والقضايا العامة، وفي الوقت نفسه نحسن اختيار الأئمة المدربين حتى يكونوا حملة لواء التنوير والدعوة الإسلامية السمحة والتصدي لأكاذيب المبطلين.
رغم اعتراف بعض مؤرخي الغرب المنصفين بأن انتشار الإسلام بالسيف كذب وافتراء إلا أن الإعلام الصهيوني لايزال يردد هذا السخف فماذا تقول بهذا الصدد؟
لا نملك تجاه هؤلاء الذين في قلوبهم مرض إلا أن نردد عليهم ما قاله مؤرخوهم ومفكروهم في هذه القضية التي يهدف أعداء الإسلام من ورائها إلى تشويه صورته. ويكفي أن نذكر شهادة المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه “حضارة العرب” حيث قال: (أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة وقد انتشر الإسلام ودستوره القرآن بالدعوة وحدها وليس بالسيف وإلا فما تفسير اعتناق شعوب قهرت العرب كالترك والمغول له وكذلك انتشر في بعض المناطق كالهند التي كان العرب فيها مجرد عابري سبيل والوضع نفسه تكرر في الصين وإندونيسيا وغيرها”.
وقال المفكر الكبير توماس كارليل في كتابه “الأبطال وعبادة البطولة”: “إن اتهام محمد بالتعويل على السيف في حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مقبول” ومثل هذه الشهادات المنصفة علينا ألا نتوقف عن ترديدها لأنها من أقوال مفكريهم وقديما قالوا: الحق ما شهدت به الأعداء.
والمشكلة الحقيقية هي في المسلمين الذين يسيؤون للدين بتناقض أقوالهم وأفعالهم فضلا عن وجود بعض ذوي النفوس المريضة من المنتسبين اسما إلى الإسلام وهم في الحقيقة ألد أعدائه ويتم اتخاذهم رأس حربة للطعن فيه ووصفه بالنقائص.
مواقع النشر (المفضلة)