لا تتوقع أن تعيش في الدنيا سالماً من أذى الناس أو حسدهم، ولا تتوقع أن أحداً لن يكذب عليك أو يروج عليك فرية مهما كانت أخلاقك نبيلة ونواياك حسنة، لتواجد النفوس المريضة التي لاتفكر إلا بالحسد والنكد، وقلوب كصحراء قاحلة لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، لهم ألسنة جافة يابسة من عبارات الصدق والقول الجميل، وعلى المرء أن يتوقع أن يرموه في أي وقت بما ليس فيه، ويتحينوا الفرص لنفث سمومهم في جسده، ويسعوا حثيثاً لتهيئة ساحة الغيبة والمكر، لينطلقوا لاهثين يزرعون كل ريبة وشك في دروب الحياة متربصين بفرائسهم الغافلة، ولذا لا تستغرب أخي القارئ مما قلت، فدروس الحياة لا تُنسى، وعباراتها محفورة على صخور الذاكرة، وشهاداتها أصيلة ليست مغشوشة أو مزورة، وعندما أقول هذا الكلام فإنما أسلي به كثيراً من الذين وقعوا ضحايا هذه السلوكيات الشائنة، وتعرضوا لصدمات الحاسدين العنيفة، مع أن هؤلاء الضحايا يتميزون بخصال نبيلة وأخلاق كريمة، ويرغبون العيش في سلم وأمان، ويهربون من الاحتكاكات المزعجة مع بقية البشر، لتوقعهم أنهم ينجون من فخاخ ومكر المتسمين بأسماء آدمية فقط!، وعندما يصاب مثل هؤلاء الأشخاص اللطيفين بجروح وبنكايات مجهولة المصدر فإنهم متيقنون أن ما حدث لهم تم بفعل فاعل، ولم تحمله التيارات الهوائية من وراء المحيطات، وحينها تجتاحهم العاطفة العارمة المضطربة والمليئة بالأسى والحزن لما جرى لهم، ويحدثون أنفسهم قائلين: ما الذي اقترفناه لتُكال لنا هذه المكائد والدسائس؟ بالرغم أننا لم نؤذِ أحداً من البشر، فمن وقع في مثل هذه الحالة فإنني أذكره بالصبر والاحتساب، فقد يكون حاسدك لم تلتقِ به يوماً من الأيام ولم تره عيناك، ولكن الحسد دائماً يبحث عن النجاح ليشعل فيه نار الغيرة المقيتة، حتى ولو كان النجاح في أرض قصية عن الحاسد، وأول من يكتوي بنار الحسد صاحبه، وقد قيل: يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى محسوده: أولها: غم لا ينقطع والثانية: مصيبة لا يُؤجر عليها والثالثة: مذمة لا يُحمد عليها، والرابعة: سخط الرب، والخامسة: يغلق عنه باب التوفيق. كما أُذكِّرُ مَنْ اُبتلي بهذا الأذى بسير وأخلاق الأنبياء عليهم السلام الذين هم صفوة الخلق وأطهرهم، فقد تعرضوا للغيبة والقذف والسخرية والحسد والقتل أحياناً بدون وجه حق أو أدنى سبب، ومع ذلك صبروا على ما أوذوا، وأعطاهم الله الدرجات العلى في الجنة، فيا أصحاب المشاعر اللطيفة والأخلاق القويمة والمسالك الحسنة: اصبروا وصابروا واعلموا أن لكم في رسل الله قدوة وأسوة حسنة، صحيح أنكم لم تؤذوا أحداً، ولم تقطعوا رزق مسكين أو ضعيف، ولكن هكذا هو حال الدنيا مليئة بالحاسدين والشريرين الذين لا هم لهم إلا التلذذ بأذية خلق الله بأي طريقة ووسيلة، فإذا عرفتم هذا المبدأ، فتسلوا به، ولن يضر القافلة نباح الكلاب، ولن يخدش زينة السماء فسوق العقرب، ولن تؤثر أشواك قلوب الحاسدين في النسمة العليلة في قلوب الطيبين، ولا يضير رحيق الزهرة مجاورتها للحنظل، فكل يتبع أصله ومنبته، فالطاهر والطيب سوف يبقى - بإذن ربه - طاهراً ونقياً يكتب بأفعاله وأخلاقه الحسنة على صفحات التاريخ البيضاء بماء الود والمحبة، وأما الآخرون فسوف يذهبون مع رياح النسيان وسموم الغفلة إلى تفاهات التاريخ وسراديب الحقارة، حيث لا مكان لهم في عالم الصفاء والطهر والنقاء، ولن يجدوا موطئ قدم في حدائق السعادة والفرح.
مواقع النشر (المفضلة)