الكذب
الكذب من أقدم الصفات البشرية السيئة التي ترافقت مع القدرة على الكلام، وهي قد تلازم البعض خلال مراحل حياتهم المختلفة بدءاً من الميلاد حين يبكي الرضيع كذباً أو (دلعاً كما نسميه) لا لألم فيه وإنما رغبة في أن تعتقد والدته أنه يتألم فتحمله، وهكذا يضمن بقاءه بين ذراعيها طوال الوقت، ثم يظهر السبب الحقيقي الذي ابتدع الإنسان من أجله هذه الصفة الذميمة وهي الخوف من العقاب، فيكذب الطفل حين يخطئ، وكم من طفل سبق لك أن سمعته يتهم غيره حين يكسر كوباً أو يسكب مشروباً على السجاد!!.
فالمنشأ الحقيقي للكذب هو الخطأ وعادة ما يكون الخطأ المتعمد الذي يحاول فاعله التنصل من مغبته عبر هذا السلوك.. الغريب في الأمر أن كثيراً من الناس في هذا الزمان قد اعتادوا على الكذب حتى أصبح جزءاً من حياتهم، وكشأن كثير من المفاهيم التي انقلبت أوضاعها في أذهان الناس، كاد الصدق أن يكون هو المذمة، حتى ليلام الصادق الذي يصدق الآخرين ويُصدقهم على سذاجته، بينما الأدعى أن يلام الكاذب على كذبه، فالأصل هو الصدق أما الكذب فهو استثناء لا ينبغي أن يكون أمراً مسلماً به خاصة في بلاد الإسلام حيث كانت الصفة التي لازمت أن يكون أمراً مسلماً به خاصة في بلاد الإسلام، حيث كانت الصفة التي لازمت نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام قبل وبعد البعثة هي الصدق، فعُرف منذ عُرف بالصادق الأمين (صلى الله عليه وسلم).
وقد انتشر الكذب بين أوساط النساء ابتداء من أمور تافهة لا تستحق أن يعرض المرء نفسه للوعيد من الله عز وجل مقابلها كتباهي المرأة بأعمال لم تعملها أو أشياء لا تمتلكها، وانتهاء بأمور موجبة لغضب الله تعالى كالسعي في إفساد علاقات الود والمحبة بين بنات جنسها من خلال الوشايات الكاذبة أو الإدعاءات الباطلة أو انتحال أعمال وأفكار غيرها من قبيل حب الظهور والتباهي الكاذب.
أما في مجال العلاقات بين المرأة والرجل فنجد المرتع الخصب لهذه الخصلة، فالرجل يتخذ من الحديث الشريف الذي روته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها حين قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً) وفي رواية مسلم زيادة قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث: تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
يتخذه ذريعة ليكذب على زوجته لاوياً عنق النص عن المعنى الحقيقي له، فقول الرجل لأهله بأنها أجمل امرأة على وجه الأرض لن يكون حقيقة، لكنه كذب مباح حسب ما ورد في الحديث، أما قوله أنه في مقر عمله يكد ويكدح من أجل أبنائه تاركاً إياهم في أحضان والدتهم يقاسون غياب الأب وشكوك الأم، بينما هو يضيع حياته في زواج مسيار أو زواج فرند أو غيرها من البدع الحديثة التي ما أنزل الله بها من سلطان، فلا يمكن لعاقل أن يدعي أن هذا الكذب غير مذموم، فالكذب هو وليد الخوف الناشئ عن الشعور بالخطأ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) أخرجه مسلم، وفي حديث آخر (الإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك) رواه أحمد.
وتواتر الكذب يحول الإنسان إلى مخادع قد اعتاد عليه حتى ليصدق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً) متفق عليه.
مواقع النشر (المفضلة)