نرى اليوم في الأسواق بيوعات مستحدثة، ونرى بضائع وسلعاً تباع وتشترى، في حين ان بعضها لم يكن يأخذ حكم البيع في الماضي لأن حياة الناس كانت تعاونية، وكانوا يتبرعون بالعمل لابتغاء مرضاة الله.
أما اليوم وقد أصبحت حياة الناس مادة في مادة، فإن بعضهم أصبح يتجر في الأموال والأعراض والعياذ بالله، وصار يبيع ما ليس من حقه أن يبيعه.
فالمصحف يباع ويشترى، والفتاوى تباع وتشترى، وبرك الماء والعيون والآبار تباع وتشترى، مع العلم بأن مثل هذه الأشياء لا يملكها فرد معين، بل حق مشترك بين الناس.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار (رواه أبو داود).
لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الناس شركاء في هذه الثلاثة؟ لأن حياة الناس متوقفة عليها، فلو انفرد بها أحدهم فربما استبد، فضاقت الحياة بالآخرين، وربما لم يجدوا ما يشترون به لو كانت بالثمن.
وبما ان الناس فتحوا باب المتاجرة بكل شيء، رأيناهم اليوم يتجرون في ماء زمزم أيضاً، فتجده معروضاً في الجمعيات التعاونية والأسواق والدكاكين، وماء زمزم ينظر إليه مرة بأنه ماء، وقد قال الحديث بأن الناس شركاء في الماء.
وينظر إليه مرة أخرى بأنه ماء من نوع خاص يتبرك به الناس باعتبار منبعه، فهو له جانبان: جانب مادي وجانب معنوي، فالجانب المادي هو الماء، والجانب المعنوي أن شربه عبادة مرتبطة بالمكان الذي له قدسية واحترام في نفوس المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
واننا إذا لم نرع جانبه المادي، فلنراع جانبه العبادي، فما ينبغي أن يباع ويشترى في الدكاكين بجانب علب السجائر وقوارير البيبسي وعلب الكاز وكراتين الفحم.
وماء زمزم بركته في الأصل أن يشربه المسلم عند بئر زمزم في مكة، وإن لم يحصل له ذلك أو أراد أن يحمله معه إلى بيته أو بلده، فليفعل ذلك بكل احترام لمكانة ماء زمزم الذي لا يجوز بأية حال أن يحول إلى سلعة تباع وتشترى.
وإذا حول إلى سلعة فمن يضمن ان القوارير المعبأة بالماء، هي معبأة حقيقة بماء زمزم؟ فالمسألة لم تعد الآن بركة كما لو شربه في مكة أو حمله معه، بل صارت تجارة، والتجارة معروف عنها بأنها قابلة للغش والعبثية.
لذا فإن مجموعة الفتاوى الكويتية الصادرة من قطاع الافتاء في وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، أوردت عدم جواز بيع ماء زمزم في المحلات التجارية، لأن في ذلك ابتذالاً في حق ماء زمزم الذي أجراه الله تعالى عينا مباركة في مكة، رحمة بني الله اسماعيل عليه السلام، ومعجزة له، عندما تركه أبوه نبي الله ابراهيم عليه السلام مع أمه هاجر في مكة من غير زاد ولا ماء.
وماء زمزم قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه “طعام طعم وشفاء سقم، وهو لما شرب له”، إذن لا يجوز أن يبتذل، لأنه يفقد قدسيته وقيمته الدينية.
أقول: وهذا رأيي أيضا في هذه المسألة، وفي مسألة أخرى أجازها العلماء في المملكة العربية السعودية، وهي بيع مجسمة الكعبة المشرفة.
ان مجسمة الكعبة وان كانت مجسمة لشيء غير ذي روح، فلا ينطبق عليها حكم الصور المختلف فيها بين العلماء، إلا أنني أرى للكعبة قدسية خاصة، فهي قبلة المسلمين، وهي بيت الله الحرام الذي تهوي إليه أفئدة الناس جميعاً.
فكيف تبقى هذه المكانة، لو رأيتها مجسمة يلعب بها الأطفال، مرة، ومرة يمسكها غير المسلم، ليرميها يمنة ويسرة باعتبارها سلعة موجودة بجانب السلع الأخرى في متجره؟ ألا تفقد الكعبة قدسيتها عندئذ؟
اننا اليوم مطلوب منا أن نحافظ على مقدساتنا مجسمات كانت أم صوراً، لأن عدم الاحترام للدين حاصل من المسلمين أنفسهم قبل غير المسلمين، فالغيرة واجبة لكونها أضعف الايمان
مواقع النشر (المفضلة)