الإنسان في تطور مستمر في قدراته وإمكاناته العقلية، وعلى المرء ألا يقف موقف الرافض للأمور والظواهر التي لا يستطيع تفسيرها، بل يجب عليه أن يكون حيادياً على الأقل ينظر بمنظار الفاحص الدارس، وهذا هو الحال في العلوم الطبية، وأيضاً في العلاج بالإبر الصينية، فالكثير من الناس يتعجب كيف أن وخز إبر رفيعة لا تحتوي على مواد كيميائية أو أدوية يمكنها أن تعطي تأثيرات معينة في جسم الإنسان عند وخزها في مواقع معينة محددة، وكيف يمكن أن تكون لمواقع معينة متقاربة في جلد الإنسان تأثيرات علاجية مختلفة.
يقول استشاري باطنية واختصاصي العلاج بالإبر الصينية الدكتور رياض الهجن "إن الأوروبيين بعد أن تبينوا فعلاً فوائد العلاج بالإبر الصينية تبنوا هذا العلاج وبدأوا في محاولة إيجاد التفسير العلمي بالأبحاث والدراسات والتجارب، ثم قاموا في الوقت نفسه بتطوير العلاج وتحسينه بما يتفق مع التفكير العلمي الحديث، فمن ذلك إيجاد التفسير المناسب بالمفهوم العلمي القريب لعقلية طالب الطب الحديث في الجامعات العلمية الحديثة" مشيرا إلى أن ذلك حدث بناءً على الظروف التي ولد فيها هذا العلاج، حيث إنه أساساً طب شعبي نشأ في بلاد الصين، حيث اكتشف الإنسان الصيني أن التأثير على مواقع معينة في جسم الإنسان تعطي مفعولاً علاجياً معيناً، وبمرور السنين زاد عدد هذه المواقع بالخبرة والتجربة حتى تعدى عددها المئات.
وقال الدكتور الهجن إن نشأة هذا العلاج صاحبتها تفسيرات تعتمد على فلسفة صينية قديمة ليس من السهل استيعابها بالمفهوم العلمي الحديث، وتعتمد على توزيع الطاقة وتوازنها في جسم الإنسان، وعندما تبنى العالم الغربي هذا العلاج بعد اقتناعه بجدواه بدأ في البحث والتقصي في ماهية هذه المواقع المحددة في جسم الإنسان وكيفية تأثيره".
واستعرض الدكتور الهجن الدراسات والأبحاث والتجارب التي تمت في هذا المجال، حيث أجريت دراسات تشريحية للجلد تحت الميكروسكوب أخذت من مختلف المواقع المعينة حيث تبين فعلاً اختلاف تركيبها عن مواقع الجلد الأخرى وقام بذلك البروفيسور ورئيس قسم علوم الأنسجة في جامعة فيينا، كما أجريت أبحاث أخرى على الحيوانات لتأكيد دور الوخز في تنشيط إفراز مواد مختلفة في الدم كالتجربة التي وصلت فيها الدورة الدموية بين حيوانين، وأجرى الوخز بالإبر في إحداها، ثم أثبت مفعول الإبر العلاجي في الحيوان الآخر، وهذا يدل على إفراز مواد في الدم من جراء الوخز انتقلت بالدورة الدموية إلى الحيوان الآخر وأعطت المفعول العلاجي.
كما أجريت أيضاً تجارب أخرى على الحيوان بالنسبة للشعور بالآلام باستخدام أجهزة متطورة، وأثبتت أن الوخز أعطى تأثيراً مخففاً للآلام، وكذلك تجارب على الإنسان، حيث تم تحليل الدم لمواد معينة قبل الوخز بالإبر وبعدها، وأثبت تغيير نسبتها في الدم. ومن هذه التجارب وكثير غيرها اقتنع الطب ووضع الأسس والقواعد للعلاج بالإبر الصينية تتماشى مع المفهوم الطبي الحديث بحيث يمكن تدريسه وفهمه بطريقة منطقية وعلمية.
مواقع النشر (المفضلة)