:64_f:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد النبي الأمين وعلي آله وصحبه أجمعين .
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن بن عباس (رضي الله عنهما) قال :
كنا في بيت رجل من الأنصار مع رسول الله في جماعه ، فنادى مناد :يا أهل المنزل أتأذنون لي بالدخول ولكم إلي حاجه ؟
قال رسول الله :أتعلمون من المنادي ؟
فقالوا :الله ورسوله أعلم .
قال رسول الله :هذا إبليس اللعين لعنه الله تعالي
قال عمر بن الخطاب :أتأذن لي يا رسول الله أن أقتله ؟
فقال الرسول :مهلا يا عمر أما علمت أنه من المنظرين إلي يوم الوقت المعلوم ، ولكن افتحوا له الباب فإنه مأمور فافهموا عنه ما يقول واسمعوا منه ما يحدثكم .......
قال بن عباس رضي الله عنهما :ففتح له الباب فدخل علينا فإذا هو شيخ أعور وفي لحيته سبع شعرات كشعر الفرس الكبير ، وأنيابه خارجه كأنياب الخنزير وشفتاه كشفتي الثور .
فقال :السلام عليك يا محمد السلام عليكم يا جماعة المسلمين .
فقال الرسول :السلام لله يا لعين، قد سمعت حاجتك ما هي ؟
قال:يا محمد ما جئتك اختيارا ولكن جئتك اضطرارا .
قال الرسول :وما الذي اضطرك يا لعين ؟
قال :أتاني ملك من عند رب العزة فقال إن الله تعالي يأمرك أن تأتي محمدا وأنت صاغر ذليل متواضع وتخبره كيف مكرك ببني آدم وكيف إغواؤك لهم وتصدقه في أي شيء يسألك فوعزتي وجلالي لئن كذبته بكذبه واحده ولم تصدقه لأجعلنك رمادا تذروه الرياح ولأشمتن الأعداء بك ، وقد جئتك يا محمد كما أمرت فاسأل عما شئت فإن لم أصدقك فيما سألتني عنه شمتت بي الأعداء ، وما شيء أصعب من شماتة الأعداء.
قال الرسول :إن كنت صادقا فأخبرني من أبغض الناس إليك ؟
قال : أنت يا محمد أبغض خلق الله إلي ومن هو علي مثلك .
قال الرسول : ماذا تبغض أيضا ؟
قال :شاب تقي وهب نفسه لله تعالي.
قال :ثم من ؟
قال :عالم ورع .
قال : ثم من ؟
قال :من يدوم علي طهارة ثلاثة .
قال :ثم من ؟
قال :فقير صبور إذا لم يصف فقره لأحد ولم يشك ضره .
قال :وما يدرك أنه صبور ؟
قال :يا محمد إذا شكا ضره لمخلوق مثله ثلاثة أيام لم يكتب الله له عمل الصابرين .
قال : ثم من .
قال :غني شاكر .
قال الرسول : وما يدرك أنه شكور ؟
قال :إذا رأيته يأخذ من حله ويضعه في محله .
قال النبي :كيف يكون حالك إذا قامت أمتي للصلاة ؟
فقال :يا محمد تلحقني الحمه والرعدة .
قال :ولم يا لعين ؟
قال :إن العبد إذا سجد لله سجدة رفعه الله درجه .
قال :فإذا صاموا ؟
قال :أكون مقيدا حتى يفطروا .
قال :فإذا حجوا ؟
قال :أكون مجنونا .
قال :فإذا قرءوا القرآن ؟
قال :أذوب كما يذوب الرصاص علي النار .
قال :فإذا تصدقوا ؟
قال :فكأنما يأخذ المتصدق المنشار فيجعلني قطعتين
فقال النبي : ولما ذلك يا أبا مره .
قال :فإن في الصدقة أربع خصال :وهي أن الله تعالي ينزل في ماله البركة وحببه إلي حياته ويجعل صدقته حجابا بينه وبين النار وبدفع بها عنه العاهات والبلايا .
فقال له النبي :فما تقول في أبي بكر :
قال :يا محمد لم يطعني في الجاهلية فكيف يطعني في الإسلام ؟
قال :فما تقول في عمر بن الخطاب ؟
قال :والله ما لقيته إلا وهربت منه .
قال : فما تقول في عثمان بن عفان ؟
قال :أستحي ممن استحت منه ملائكة الرحمن .
قال :فما تقول في علي بن أبي طالب ؟
قال :ليتني سلمت منه رأسا برأس ويتركني وأتركه ولكنه لم يفعل ذلك قط .
قال النبي :الحمد لله الذي أسعد أمتي وأشقاك إلي يوم معلوم .
قال له إبليس اللعين :هيهات هيهات وأين سعادة أمتك وأنا حي لا أموت إلي يوم معلوم ؟
وكيف تفرح علي أمتك وأنا أدخل عليهم في مجاري الدم واللحم وهم لا يروني ، فوالذي خلقني و أنظرني إلي يوم يبعثون لأغوينهم أجمعين جاهلهم وعالمهم وأميهم وقارئهم و فاجرهم وعابدهم إلا عباد الله المخلصين.
قال النبي :ومن هم المخلصين عندك ؟
قال :أما علمت يا محمد أن من أحب الدرهم والدينار ليس بمخلص لله تعالي وإذا رأيت الرجل لا يحب الدرهم و الدينار و لا يحب المدح والثناء علمت أنه مخلص لله تعالي فتركته وأن العبد مادام يحب المال والثناء، وقلبه متعلق بشهوات الدنيا فإنه أطوع مما أصف لكم؟ أما علمت حب المال من أكبر الكبائر يا محمد أما علمت أن حب الرياسة من أكبر الكبائر وإن التكبر من أكبر الكبائر يا محمد أما علمت أن لي سبعين ألف ولد ولكل ولد منهم سبعون ألف شيطان فمنهم من قد وكلته بالعلماء ومنهم قد وكلته الشباب ومنهم من وكلته بالمشايخ ومنهم من وكلته بالعجائز أما الشبان فليس بيننا وبينهم خلاف وأما الصبيان فيلعبون بهم كيف شاءوا ومنهم من قد وكلته بالعباد ومنهم من قد وكلته بالزهاد فيدخلون عليهم فيخرجوهم من حال إلي حال ومن باب إلي باب حتى يسبوهم بسبب من الأسباب فآخذ منهم الإخلاص وما يشعرون
أما علمت يا محمد أن برصيصا الراهب أخلص لله سبعين سنه كان يعافي بدعوته كل من كان سقيما فلم أتركه حتى زني وقتل وكفر وهو الذي ذكره الله تعالي في كتابه العزيز بقوله تعالي :
((كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني برئ منك إني أخاف الله رب العالمين ))
أما علمت يا محمد أن الكذب مني وأنا أول من كذب ومن كذب فهو صديقي ومن حلف بالله كذبا فهو حبيبي أما علمت يا محمد أنني حلفت لآدم وحواء بالله إني لكما لمن الناصحين فاليمين الكاذبة سرور قلبي والغيبة والنميمة فاكهتي وفرحي وشهادة الزور قرة عيني ورضاي ومن حلف بالطلاق يوشك أن يأثم ولو كان مرة واحدة ولو كان صادقا فإنه من عود لسانه بالطلاق حرمت عليه زوجته ثم لا يزالون يتناسلون إلي يوم القيامة فيكونون كلهم أولاد زنا فيدخلون النار من أجل كلمة.
يا محمد إن من أمتك من يؤخر الصلاة ساعة فساعة كلما أراد أن يقوم إلي الصلاة لزمته فأوسوس له وأقول له الوقت باق وأنت في شغل فيؤخرها ويصليها في غير وقتها فيضرب بها في وجهه فإن هو غلبني أرسلت له واحدة من شياطين الإنس تشغله عن وقتها فإن غلبني في ذلك تركته حتى إذا كان في الصلاة قلت له أنظر يمينا وشمالا فينظر فعند ذلك أمسح بيدي علي وجهه وأقبل مابين عينيه وأقول له قد آتيت مالا يصح أبدا وأنت تعلم يا محمد من أكثر الإلتفات في الصلاة يضرب وصلي وحده أمرته بالعجلة فينقرها كما ينقر الديك الحبة ويبادر بها فإن غلبني وصلي في الجماعة ألجمته بلجام ثم أرفع رأسه قبل الإمام وأضعها قبل الإمام وأنت تعلم أن من فعل ذلك بطلت صلاته ويمسخ الله رأسه رأس حمار يوم القيامة فإن غلبني في ذلك أمرته أن يفرقع أصابعه في الصلاة حتى يكون من المسبحين لي وهو في الصلاة فإن غلبني في ذلك نفخت في أنفه حتى يتثاءب وهو في الصلاة فإن لم يضع يده علي فيه دخل الشيطان في جوفه فيزداد بذلك حرصا علي الدنيا وحبا لها ويكون سميعا مطيعا وأي سعادة لأمتك وأنا آمر المريض أن يدع الصلاة وأقول :ليست عليك صلاة إنما هي علي الذي أنعم الله عليه بالعافية لأن الله تعالي يقول }: ولا علي المريض حرج{
وإذا أفقت صليت ما عليك حتى يموت كافرا فإذا مات تاركا للصلاة وهو في مرضه لقي الله تعالي وهو غضبان عليه .
وإن كنت كذبت أو زغت فاسأل الله أن يجعلني رمادا ،يا محمد أتفرح بأمتك وأنا أخرج سدس أمتك من الإسلام؟
قال النبي :يا لعين من جليسك ؟ قال :آكل الربا.
قال فمن صديقك ؟ قال :الزاني.
قال :فمن ضجيعك ؟ قال :السكران.
قال : فمن ضيفك ؟ قال :السارق.
قال :فمن رسولك ؟ قال :الساحر.
قال :فما قرة عينك ؟ قال :الحلف بالطلاق.
قال :فمن حبيبك ؟ قال :تارك صلاة الجمعة.
قال :فما يكسر ظهرك ؟ قال :صهيل الخيل في سبيل الله .
قال :فما يذيب جسمك ؟ قال :توبة التائب.
قال :فما ينضج كبدك ؟ قال :كثرة الاستغفار لله تعالي بالليل والنهار.
قال :فما يخزي وجهك ؟ قال :صدقة السر.
قال :فما يطمس عينيك ؟ قال :صلاة الفجر.
قال :فما يقمع رأسك ؟ قال :كثرة الصلاة في الجماعة .
قال :فمن أسعد الناس عندك ؟ قال :تارك الصلاة عامدا.
قال :فأي الناس أشقي عندك ؟ قال :البخلاء.
قال :فما يشغلك عن عملك ؟ قال :مجالس العلماء.
قال :فكيف تأكل ؟ قال :بشمالي وبإصبعي .
قال :فأين تستظل وأولادك في وقت الحرور والسموم ؟ قال تحت إظفار الإنسان.
قال :فكم سألت من ربك حاجة ؟ قال :عشرة أشياء.
قال :فما هي يا لعين ؟
قال :سألته أن يشركني في بني آدم في مالهم وولدهم فأشركني فيهم وذلك قوله تعالي :
((وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غورا ))
وكل مال لا يزكي آكل منه وآكل من كل طعام خالطه الربا والحرام وكل مال لا يتعوذ عليه من الشيطان الرجيم وكل من لا يتعوذ عند الجماع إذا جامع زوجته فإن الشيطان يجامع معه فيأتي الولد سامعا ومطيعا ومن ركب دابة يسير عليها في غير طلب الحلال فإني رفيقه لقوله تعالي :
((وأجلب عليهم بخيلك ورجلك )).

وسألته أن يجعل لي بيتا فكان الحمام لي بيتا .
وسألته أن يجعل لي مسجدا فكان الأسواق.
وسألته أن يجعل لي قرآنا فكان الشعر .
وسألته أن يجعل لي ضجيعا فكان السكران.
وسألته أن يجعل لي أعوانا فكان القدرية .
وسألته أن يجعل لي إخوانا فكان الذين ينفقون أموالهم في المعصية ثم تلا قوله تعالي :
((إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ))
فقال النبي :لولا أتيتني بتصديق كل قول بآية من كتاب الله تعالي ما صدقتك .
قال يا محمد سألت الله تعالي أن أري بني آدم وهم لا يروني فأجراني في عروقهم مجرى الدم أجول بنفسي كيف شئت وإن شئت في ساعة واحدة فقال الله تعالي لك ما سألت ، وأنا أفتخر بذلك إلي يوم القيامة ،وإن معي أكثر ممن معك وأكثر ذرية آدم معي إلي يوم القيامة وأن لي ولدا أسميته عتمة يبول في أذن العبد إذا نام عن صلاة العتمة ،ولولا ذلك ما وجد الناس نوما حتى يؤدوا الصلاة وإن لي ولدا أسميته المتقاضي فإذا عمل العبد طاعة سرا وأراد أن يكتمها لا يزال يتقاضى به بين الناس حتى يخبر بها الناس فيمحوا الله تعالي تسعة وتسعون ثوابا من مائة ثواب
وإن لي ولدا أسميته كحيلا وهو الذي يكحل عيون الناس في مجلس العلماء وعند خطبة الخطيب حتى ينام عند سماع كلام العلماء فلا يكتب له ثوابا أبدا وما من امرأة تخرج إلا قعد شيطان عند مؤخرها وشيطان يقعد في حجرها يزينها للناظرين ويقولان لها :أخرجي يدك فتخرج يدها ثم تبرز ظفرها فتهتك .
ثم قال :يا محمد ليس لي في الإضلال شيء إنما موسوس ومزين ولو كان الإضلال بيدي ما تركت أحدا علي وجه الأرض ممن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا صائما ولا مصليا ،كما أنه ليس لك من الهداية شيء بل أنت رسول ومبلغ ولو كانت بيدك ما تركت علي وجه الأرض كافرا وإنما أنت حجة الله تعالي علي خلقه وأنا سبب لمن سبقت له الشقاوة ،والسعيد من أسعد الله في بطن أمه والشقي من أشقاه الله في بطن أمه ،فقرأ رسول الله :
((ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ))
ثم قرأ قوله تعالي :
((وكان أمر الله قدرا مقدورا ))
ثم قال النبي يا أبا مرة هل لك أن تتوب وترجع إلي الله وأنا أضمن لك الجنة ؟
فقال :يا رسول الله قد قضي الأمر وجف القلم بما هو كائن إلي يوم القيامة
فسبحان من جعلك سيد الأنبياء المرسلين وخطيب أهل الجنة فيها وخصك واصطفاك وجعلني سيد الأشقياء وخطيب أهل النار وأنا شقي مطرود وهذا آخر ما أخبرتك عنه وقد صدقت فيه .
والحمد لله رب العالمين أولا وأخرا ظاهرا وباطنا وصلي الله علي سيدنا محمد النبي الأمين وعلي آله وصحبه وآمين علي المرسلين
والحمد لله رب العالمين .