بناء القيم يمثل لدى الإنسان السجايا الحسنة والسلوك الطيب، والقيم دافع داخلي يجعل الفرد ينزع إلى سلوك معين حين الاختيار بين البدائل.
فإن كانت الأخلاق تمثل المبدأ الذي يحدد توجهات السلوك الإنساني، فإن القيم حكم يقوم به الفرد أفعاله وغايات سلوكه.
ومن وجهة النظر الإسلامية فإن الأخلاق هي مجموعة المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني، والتي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان وتحديد علاقته بغيره على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم.
الاقتناع أولا
والأخلاق لا يمكن أن تفرض على الإنسان من الخارج، أو أن تلقن له من دون أن يكون هناك اقتناع من الفرد بما يقول ويفعل.
وترجمة الإنسان للتعاليم الخلقية لا تظهر إلا في معاملاته، فالخلق صفة نفسية لشيء خارجي، أما المظهر الخارجي للخلق فيسمى سلوكا أو معاملة، والسلوك دليل الخلق ومظهره.
ويمكن تحديد الأهداف الخلقية في الإسلام في تربية الضمير ونظافة القلب، وتدريب الإنسان وتعويده على ممارسة السلوك الإسلامي الراشد. وكذلك تربية الشخصية على إنسانية واجتماعية الأخلاق ليعيش صاحبها معنى التوافق مع المجتمع.
والإيمان يمثل في جانب القيم والأخلاق قوة دافعة إلى المكارم، فالقرآن عندما يدعو المؤمنين إلى خير أو يحذرهم من شر، فإنه يثير فيهم كوامن الإيمان، ويجعل أفعالهم المرغوبة مقتضى ذلك الإيمان الذي استقر في قلوبهم، فما أكثر ما نقرأ نداء الإيمان مقرونا بتكاليفه: “يا أيها الذين آمنوا” ثم يذكر ما يكلفهم به “لا يسخر قومٌ من قوم” (الحجرات11).
ولا غرابة فالإيمان القوي هو الذي يصنع السلوك الراشد، فهو يرتبط مباشرة بالإيمان بالله، ورقابته الشاملة، والإيمان في القلب هو مستودع القيم التي تمثل القانون الإنساني الراقي، أعني القانون الذي يمشي في روح الإنسان.
الصفات الخلقية
إن السلوك حين يتم تنميطه والتعود عليه، فإنه يمسي خلقا، ودور الأخلاق في تأسيس الشخصية ونهضة الأمة لا يمكن التقليل من شأنه، حيث إن للإنسان طبيعتين، الأولى مادية والثانية خلقية، وإذا تأملنا المسألة، فلابد أن يتبين لنا أن القوة الفاصلة الحقيقية هي القوة الخلقية لا المادية، والإنسان لا يسمى إنسانا لأجل الجسم أو البيولوجيا، بل لأجل صفاته الخلقية.
هذه الصفات الخلقية تنقسم إلى شعبتين مهمتين، الأخلاق الإنسانية الأساسية، والأخلاق الإسلامية، فالأخلاق الإنسانية الأساسية هي تلك الصفات التي يقوم عليها أساس وجود الإنسان الخلقي، وهي تشمل سائر الصفات التي لابد منها لفلاح الإنسان ونجاحه في هذه الدنيا، وسواءٌ في بابها أيؤمن صاحبها بالله واليوم الآخر والوحي والرسالة أم لا.
فهذه الأخلاق الأساسية هي التي تقرر فيما إذا كان شعب جديرا بالسيادة والتمكين في الأرض، فالإنسان مؤمنا كان أم كافرا لن ينجح في هذا العالم إلا إذا كانت فيه قوة الإرادة والمضاء في الأمور، والعزم والإقدام، والصبر والثبات.
أما الإضافة والتوجيه الذي تمارسه الأخلاق الإسلامية على الأخلاق الإنسانية، فقد جاءت متممة لها ومكملة إياها، وهذا الإكمال يتم من خلال تزويد الأخلاق الإنسانية بمركز صحيح إذا اقترنت به حولها ووجهها إلى الخير وجعل غايتها وجه الله تعالى.
إن القرآن ينظر إلى الأخلاق الأساسية العامة كأنها الطبقة الأولى في سلم بناء القيم، فيشيد عليها الطبقة الثانية من الأخلاق الفاضلة، حتى يرتقي الإنسان إلى أعلى درجات الشرف والكمال، وبهذه وتلك نستطيع أن نلمح الشخصية المتكاملة المتوازنة التي يقوم على كاهلها أقوى المجتمعات وأعظم الحضارات، وهل تسقط الحضارات إلا لإفلاسها في عالم الأخلاق والقيم؟
مواقع النشر (المفضلة)