كلمتى : بداية أعتذر للقراء الذين قد يفهمون خطأ أن عنوان المقال هو عنوان خبري، يؤكد حقيقة موت رئيس الوزراء 'الإسرائيلي' 'أريل شارون'، لكن الحقيقة أن الحدث 'موت شارون' هو محور هذا المقال.. لماذا؟
ذلك أن من شاهد القنوات العربية على مدار اليومين الماضيين، وعقب الخبر العاجل الذي بثته القناة الثانية للتليفزيون الصهيوني ليلة الأحد 18/12/2005م عن نقل رئيس الوزراء الصهيوني 'أريل شارون' لمستشفى 'هداسا عين كارم' بالقدس المحتلة، فاقداً الوعي إثر إصابته بجلطة دماغية مفاجئة، يعتقد أن كافة المشاكل والقضايا العربية والإسلامية، والتي تبدأ بعودة الحقوق الفلسطينية من أراض وأموال وممتلكات لأصحابها الشرعيين، فضلاً عن تقديم مجرمي الحرب الصهاينة على عملياتهم العسكرية المخالفة لكافة لمواثيق الدولية طيلة عشرات السنين في حق المواطنين العرب، ومشاكل أخرى كثيرة سيتم حلها عقب إعلان النبأ الذي يتمنى الكثيرون سماعه وهو : خبر عاجل: موت شارون!
في السطور القادمة، نستشرف بصورة تخيلية المشهد العربي عقب إعلان نبأ وفاة شارون؛ فالحقيقة أن أول شيء سيحدث هو قيام كافة زعماء الدول العربية والإسلامية بإرسال برقيات العزاء للحكومة الصهيونية المحتلة في مقرها بالقدس الشريف، ولا مانع من ذهاب البعض للمشاركة في تشييع جثمان 'رجل السلام'، و'الرجل الشجاع'.. وأوصاف أخرى لا يستحقها الرجل بالطبع، سوف تُطلق عليه، كما أُطلقت من قبل على رئيس الوزراء الصهيوني الراحل 'إسحاق رابين'، صاحب السجل العسكري الحافل في عمليات إبادة لمواطنين عرب منذ عام 1947م وحتى بداية الثمانينات.
بالطبع، ورغبة من الدول العربية في نيل رضا المجتمع الدولي، بمعنى أدق نيل رضا الولايات المتحدة الأمريكية، فلا مانع أيضاً من أن تقطع القنوات التليفزيونية العربية الرسمية إرسالها لتنقل في بث حي ومشترك مع القناة الأولى للتليفزيون 'الإسرائيلي' وقائع 'جنازة شارون'؛ مصحوبة بلقطات البكاء والنحيب من أنصاره الليكوديين سابقاً، أعضاء حزب 'كديما' حالياً، مع خلفية عن تاريخ الرجل وسجله 'المُشرف'، و'سعيه الدءوب' نحو تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط!
ولا يسأل أحد، ولا يجب عليه أن يسأل من الأساس على مذابح 'صابرا وشاتيلا' التي نفذها الرجل عام 1982 فيما يُعرف بـ 'غزو لبنان'، كما لا يجب الحديث عن الدور العسكري للرجل في حربي عام 1948م، و1967م وإصداره للجنود المرافقين له بقتل عشرات الأسرى المصريين في الصحراء رمياً بالرصاص –حسب اعترافات سابقة لقادة صهاينة أنفسهم قبل أربعة أعوام، ولا يجب على أحد التطرق لسجل الرجل المُتخم بجرائم حرب لا تكفي مجرد مقالة لإحصائها.
تحليل أوضاع 'إسرائيل'
بعد انتهاء المشهد الجنائزي، ستقوم القنوات العربية بتحليل سياسي للوضع السياسي الجديد في الكيان الصهيوني من خلال برامج حوارية بين الضيوف، والتطرق للحديث عن مستقبل حزب 'كديما' الذي أسسه شارون، والذي لم يخط بعد خطواته الأولى في الحياة السياسية 'الإسرائيلية'.
وسيتم مناقشة التنافس بين رئيس حزب 'كديما' الذي سيخلف شارون عقب وفاته، وبين رئيس حزبي الليكود والعمل على رئاسة الحكومة في الثامن والعشرين من مارس المقبل.
ووقتها، لا يسأل أحد –كذلك- عن مستقبل العملية السلمية التي نسفها شارون قبل توليه رئاسة الحكومة في فبراير عام 2001م، بزيارته الاستفزازية للمسجد الأقصى يحوطه العشرات من الحراس والمتطرفين اليهود في سبتمبر عام 2000م، كما يسأل أحد من الشارع العربي على طول امتداده عن تبعات الحدث من البحث عن الطرق الكفيلة لعودة الحقوق المسلوبة من الشعب الفلسطيني، أو الكلام عن الدولة الفلسطينية المستقلة، أو وضع مدينة القدس المحتلة، والمقدسات الإسلامية فيها، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وحق عودة 3.5 ملايين لاجيء فلسطيني لأراضيهم.. لا أحد يسأل عن ذلك!
حقيقة مرض شارون
يبقى السؤال: هل توجد أي أجندة عربية رسمية لأي طرف، في حال إعلان الخبر، الذي ينتظره الكثيرون من المواطنين في العالم، بل وفي 'إسرائيل' نفسها، وهو خبر 'موت شارون'.. علماً بأنها ليست المرة الأولى التي يُعاني فيها 'البلدوزر' من هذه الجلطة. لكن حقيقة الأمر، أن ثمة بون شاسع بين الحالة الصحية هذه المرة والمرات التي سبقتها.
الدليل على ذلك، أن التقارير الواردة من الكيان الصهيوني هذه المرة حول مرض شارون، تُشير إلى أن الجلطة هذه المرة أخطر، وهو ما يتضح جلياً من مانشيت صحيفة معاريف العبرية الرئيسي عدد الاثنين 19/12/2005م كتبت تقول :' عمري شارون: لا اشعر بالراحة على أبي هذه المرة'.
مما لاشك فيه أن إعلان وفاة شارون لن يقدم أو يؤخر شيئاً في تحقيق مكاسب، أو استعادة حقوق الشعب العربي،، ما لم تكن هناك خطة واضحة المعالم، ذات جدول زمني دقيق، مصحوبة بدراسات شاملة عن المرحلة المقبلة في الصراع 'الإسرائيلي'-العربي. شريطة أن يكون المنهج واحد وحاسم في التعامل مع 'إسرائيل' على مستوى المفاوضات، منهج لا يتغير بتغير رؤساء الحكومات الصهيونية، فلا يعنينا موت شارون أو شفائه، بقدر ما يعنينا في المقام الأول أن نتحرك من تلقاء أنفسنا نحو تحقيق متطلبات شعوبنا العربية والإسلامية، وليس من منطلق رد الفعل على الوقائع والأحداث هناك.. في تل أبيب، حتى لو كان هذا الحدث هو ' موت شارون'
مواقع النشر (المفضلة)