مدخل :
وقفت بأطلال التعقل راجيا
...................عسى يهتدي بالعقل من عانق الجهلا
وليس وقوفي للهيام وإنما
...................وقفت لكي أسقي الذي عشق العقلا
فمن شاء منكم أن يوافق مرحبا
...................ومن شاء منكم أن يعارضَ يا أهلا
شعر : ظميان غدير
المقال الاول :
وقوف بأطلال العقل (1) / الحسبة
دعونا قليلا من الكلام العاطفي فليس الغرض من هذه المقالة ان نذم رجال الحسبة
او نمدحهم على أن المدح والسب لا يحل القضية .
ولا داعي للنقاش حول كوننا نريد وجودهم أو عدم وجودهم في المجتمع
لان هذا الامر لا يخضع لأهوائنا بل هو أمر رباني أنزله في كتابه ودعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم
وكان يقوم به خلفائه وأيضا فعله من بعده خلفاء الدول الاسلامية سواء الاموي او العباسي
لكن لنفهم المغزى من وجود أهل الحسبة او من يأمرون بالمعروف وينهون عنه في أي مجتمع مسلم
أتذكر حينما كنت في الصف الأول المتوسط سرد لنا مدرس التوحيد آنذاك قصة عن حديث قدسي
عن قرية كانت تشيع الفاحشة والفساد بينها وكانوا قوما لا يتناهون عن معصية ولا يأمرون بعضهم بالمعروف
ولم يكن بينهم سوى رجل صالح فأمر الله جبريل عليه السلام أن يعذبهم ...فأشفق جبريل عليه السلام
وقال لله تعالى أن فيهم رجل صالح وأخشى ان يشمله العقاب فقال الله تعالى لجبريل: هل ينصحهم هل ينهاهم عن المنكر ..فقال له جبريل عليه السلام : لا ..فقال الله تعالى : فإبدا به إذن!!
من خلال القصة والحديث القدسي يتبين لي ان الامر بالمعروف والنهي عنه في أي مجتمع يمنع العقوبة
ويؤجل الكوارث والمصائب على أي مجتمع وعلى أي أمة .. فلربما وجود رجل واحد يقوم بهذه المهمة تدفع عنا البلاء كله بإذن الله وعدم اكتراث الناس بإحياء هذا الامر
قد يؤدي لعقوبات وويلات كثيرة .
وليس شرطا ان يكون لدى المحتسب السلطة
للتغيير والمحاكمة فالتغيير بالقوة والمحاكمة تكون للشرطة وللقضاة كما كان في أيام الخلافة الاسلامية
حيث ان غالبية المحتسبين كانوا من الزهاد ومن العباد الذين كانت مهمتهم هي التناصح وتقديم النصح للناس
وكانت الهداية لله ..فمن يريد ان يهديه الله فسيهديه ومن اراد ان يضله الله فما له من هاد
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوم بهذا الامر بنفسه وبعده الخلفاء كما أن عمر بن الخطاب كان يقوم
بمراقبة الاسواق بنفسه .
ومن بعده أمر الخلفاء مثل عمر بن عبدالعزيز ...وأيضا إلى زماننا هذا كان الاحتساب والامر بالمعروف واجبا
حتى لو لم يكن لها جهاز حكومي
فما قام به الشيخ محمد عبدالوهاب من محاربةالبدع والشرك في الجزيرة العربية يعتبر من الاحتساب
نظرا لكون الناس في ذلك الوقت غارقين في الشرك وعبادة الاشجار والتبرك بالقبور
ولم يكن هناك حكم اسلامي معين كي يقوم رجال الحسبة على اساسه ..
فقام الشيخ محمد بن عبدالوهاب بهذا الجهد بشكل فردي ..
مما يعني ان كل انسان مسلم لا بد ان يكون رجل حسبة آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وليست المسالة مقتصرة
على اشخاص معينين لهم سلطتهم ولهم جهازهم ولهم ولايتهم المعتمدة من قبل السلطة
لذا ليس هنالك من داع من أن نفتح مجالا لنناقش مسألة منع أهل الحسبة او عدم منعهم كما يفعل مدعي التنوير
في هذا الزمان ..
لكن لنأخذ العظة ممن كانوا قبلنا ولنر ماهي سلبيات رجال الحسبة في هذه الايام لا لكي أن نذمها ونجعلها حجة لمنعهم بل لكي نقوم بإصلاحها ولكي تقوم بواجبها دون تجاوزات
فمثلا نلاحظ في زمننا ان عمل الحسبة له طابع مخابرتي وتجسسي عكس أيام الخلافة
ولقد نهى الله عن التجسس ...ومن المؤسف ان نرى رجال الحسبة في زمننا هذا يقومون بالتجسس
والتلفت لعورات الناس .........
فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون للفساد الظاهري في المجتمع
بمعنى ان نحارب المظاهر الواضحة لا المظاهر المستورة خلف الجدران
قال تعالى ( ولا تجسسوا )
ولعل في سيرة عمر بن الخطاب دلالة بليغة لكيفية عمل الحسبة حسب الاصول
فعمر بن الخطاب كان يأمر وينهي ظاهريا في الاسواق وفي المساجد
ولم يكن يتجاوز ذلك ولم يكن يدخل البيوت بلا استئذان ....وهنالك قصة مشهورة لعمر رضي الله عنه
وهي في موقفه من الفتية الذين كانوا يشربون الخمر فتسور عليهم عمر البيت ونال منهم مانال
لكنهم بينوا له أن ما فعله هو لجهة الدخول من غير الباب والتجسس عليهم وعدم التسليم عليهم
إنما هو اعظم إثما من شرب الخمر ...فتراجع عمر بن الخطاب وهو عمر الرجل الذي لا يهاب
وشديد الغيرة وهومن اعز الله به الدين الاسلامي
وهذه القصة قد أوردها حافظ ابراهيم في شعره مدللا على تواضع وورع وتقى عمر بن الخطاب وسرعة استجابته للحق وخوفه من تعدي الحدود:
وفتية ولعوا بالخمر فانتبذوا**لهم مكانا وجدوا في تعاطيها
ظهرت حائطهم لما علمت بهم**والليل معتكر الارجاء ساجيها
حتى تبينتهم والخمر قد أخذت**تعلو ذؤابة ساقيها وحاسيها
سفّهت آرائهم فيها فما لبثوا**أن أوسعوك على ما جئت تسفيها
ورمت تفقيههم في دينهم فإذا**بالشرب قد برعوا الفاروق تفقيها
قالوا: مكانك قد جئنا بواحدة**وجئتنا بثلاث لا تباليها
فأت البيوت من الابواب يا عمر**فقد يزن من الحيطان آتيها
وأستاذن الناس أن تغشى بيوتهم**ولا تلم بدار أو تحييها
ولا تجسس فهذي الآي قد نزلت**بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها
فعدت عنهم وقد أكبرت حجتهم**لما رأيت كتاب الله يمليها
وما أنفت وإن كانوا على حرج**من أن يحجك بالآيات عاصيها
الله وأكبر عمر بن الخطاب يعود بعد ان ذكره العصاة بما نهي الله في التجسس
وإتيان البيوت دون استئذان
وما نراه هذه الايام من رجال الحسبة لا شك فيه تجاوز في أنهم يتركون الفساد الظاهري
ويغشون البيوت دون استئذان ويأمرون بعضهم بالتجسس
لذا كانت آلية عمل رجال الحسبة منذ ايام الخلافة على محاربة الفساد الظاهري في المجتمع
لا على محاربة المستور ....والدليل ان رجال الحسبة يقومون بغزو البيوت
هو انهم يحصلون على قضايا فيها ضبط لحالات الزنا
واصلا من الصعب جدا أن تضبط حالة زنا فمنذ طلوع تاريخ الاسلام
لم يستطع احد ان يضبط زاني وزانية متلبسين بجرمهم لان شرط اثبات الزنا على شخصين
هو الشهادة بأربعة ...وذلك صعب جدا ويحظرني قصة عمر بن الخطاب حينما اتهم بعض الصحابة
زياد بن ابيه متلبسا فقام ثلاثة من الصحابة بالشهادة بينما الرابع تردد في شهادته لانه لم ير زياد بن ابيه
في الوضعية ...فقام عمر بن الخطاب بجلد الشاهدين كلهم لأن التعرض والاتهام للعرض اشد خطرا
فكيف في ايامنا هذه نرى رجال الحسبة يقومون بضبط حالات زنا ويقومون بسجن هؤلاء
هل شاهدوا الوضعية ..ام اجبروا هؤلاء على الاعتراف؟؟؟
ودعونا ننوه ايضا لبعض المفاسد الظاهرية التي ترك رجال الحسبة النهي عنها وانصرفوا للامور المستورة
وهي البنوك الربوية التي تعمل نهارا جهارا ....تركوها وراحوا يبحثون عن المستور
وحرمة الربا اعظم من حرمة الزنا.....حيث ان الربا يعتبر ستة وثلاثين زنية في الاسلام
أو كأن يزني أحدهم بأمة والعياذ بالله
ولكن هذا سببه هو ان سلطة الحسبة صارت على بعض فئات المجتمع وليس لهم على الاقوياء أمر ولا نهي
وهذا بسبب وجود خلل في النظام .......
مخرج :
حتى لو أختفى اهل الحسبة لا يجزعن مسلم ....
فالامر بالمعروف فعله ليس في اتخاذ سيارات جمس وفي تعيين اشخاص معيينين
.
فكل انسان مكلف بأن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر حسب سلطته وحسب ترتيبه
وليس حكرا على أحد
ماذا لو بدأ الانسان بالامر بالمعروف في بيته في مكان عمله في مدرسته بين اصدقائه
بين عشيرته وحتى في المنتدى والمواقع التي يرتادها.
حتى العلماء لهم واجب النصح لولاة الامر وأهل الحكم
ففي تاريخ القدماء في الدول الاسلامية كانت مهمة نصح الولاة
على عاتق العلماء كما كان يفعل الحسن البصري رحمه الله بنصح ولاة الامر والخلفاء ويشير لهم
كما أن وجود البطانة الصالحة حول الحكام مهمة ...
فهل كل مكان سيصل له رجال الحسبة وحدهم
أم نحن أيضا مكلفون بهذا العمل الذي هو سبب رئيسي كي نكون من خير الأمم.
أنتهى
بقلم : ظميان غدير
مواقع النشر (المفضلة)