عندما تُصدم بالصديق!!
كثير هم الاشخاص الذين يعرفهم الإنسان وكثير من يتعرف عليهم بين فينة وأخرى وكثير من يطلق عليهم كلمة صديق بما فيها من المعاني العظيمة والتي لم تقدر بإطلاقها على بعضهم بل وكثيرا ما تتردد هذه الكلمة بين الألسن من غير قصد أومن غير معرفة لماهيتها ومكنونها وأبعاد معانيها التي تنضح بالكثير والكثير من المشاعر الجياشة وبالصفات الحسنة ولا تنضب، صحيح أنها بحروفها قليلة لكن بمعانيها وليس بمعناها تهز الجبال.. صحيح أنها ما بين صاد ودال وياء وقاف شكلاً ولكن قد تنقذ أشخاصا من حوالك الأمور وترفع آخرين من حضيض.
تفكير إلى علو همة ومن يأس إلى أمل بمضمونها، كثير من تشرف وسام التسمية بها وهو لا يستحقها وكثيراً ما ظلمت تلك الكلمة وكثيرا ما خانها أشخاص غير وافين لها ولا مقدرين ولم يتنازلوا عنها إكراماً لها بل بقوا في الظلم كثيراً وفي الخيانة أكثر فلم يسأل الشخص منهم نفسه هل أنا مستحق لهذا اللقب أم لا؟.. هل أنا قادر على تحمل المسؤولية العظيمة التي حملت أم لا؟.. هل سوف لن يندم من قلدني هذا الوسام أم سوف يحصل ما لا يراد؟.. ولو فكر في هذه المسألة بالذات لما تمادى بالظلم الذي هو عليه ولما أدمى قلباً طيباً صادق النية عارفاً مقدراً لهذه الكلمة بكل معانيها التي لا يحصيها بشر.
وتبقى الأمور على غشائها ويزيد عليها من غشاها خداعاً.. وحين يحين وقت الأزمات وتتأزم الأمور فلم يبق لها إلا أصحابها - بحسن نية ممن ظن بهم ذلك - وهم من لبسوا كلمة الأصدقاء وحان الفصل في الموقف وجدتهم يخلعون ذاك اللباس بكل وقاحة.. والأشد وقاحة هو أنه في هذا الوقت العصيب الذي يبدو انه منتظر من قبلهم حتى يبدوا المشاعر الحقيقية التي لو أبديت من قبل ولو كانت خبيثة لكان الوقع أهون ولسلم من بعض الأمور أناس ولكن هيهات فمن المصيبة التي يكون بها الإنسان إلى الصدمة التي تكون أشد وقعاً على القلب وهي تجرد من سمي بالصديق من تلك الكلمة، الآن فقط تتخلى عن صاحبك الذي صدقك وأسلم جميع مشاعره وكان وفياً لك وكنت أنت بالنسبة له الأمل الذي يرى من خلاله المستقبل ومن اجله يكافح الصعاب، الآن فقط تتبرأ من الذي لم يقابلك قط إلا بوجه بشوش واستقبال بصدر يسع العالم أجمع، الآن فقط في أحلك الظروف وأصعبها وفي الوقت الذي يكون بأمس الحاجة لك تتخلى عن قناع الصداقة وترتدي زي العداوة.. نعم هو العدو بعينه بل العدو أشد رأفة بعدوه حيث أن العداوة معروفة ولا تحتاج لأوقات صعبة تبين من العدو من غيره، لا شك أن ذلك يكون المنافق ذا الوجهين الذي يغرك بوجه غير الوجه الحقيقي وحينها فقط تظهر معاني المقولة العظيمة «صديقك من صدقك لا من صدّقك» ليس الصديق من يصدقك فيما تقول أو يؤيدك فيما تفعل وان كان خطأ بل من يصدقك القول ويصوبك إن كنت مخطئا، وصدق الإمام الشافعي حين قال:
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصفا
نعم هذا هو الصديق بمعناه الحقيقي الذي لا يعرفه إلا القلة بل وفي هذا الزمن اقل القلة، ومن المصيبة أيضا أنك لا تستطيع اختيار الصديق إلا بشكل غير ذاتي عن طريق الأزمات والصعاب فهنا فقط يمكنك معرفة من يجتاز الامتحان ممن يفشل في ذلك، ومع هذا كله فالمصائب وما يمر بالإنسان من ضوائق ليست كلها شر بل إن لم يكن من الخير فيها إلا معرفة من يصدق الصديق ممن لا يفعل لكفى.
مواقع النشر (المفضلة)