تسمين الأضحية
لا خلاف بين الفقهاء على استحباب أن يكون ما يضحى به سمينا، إذ قال النووي: أجمع العلماء على استحباب السمين في الأضحية، وإنما استحب ذلك لوفرة لحمه وكثرة إفادة الناس منه، ومما يدل على استحبابه ما روي عن أبي رافع رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أملحين أقرنين، فإذا خطب وصلى ذبح أحد الكبشين بنفسه بالمدية، ثم يقول: اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ، ثم أتى بالآخر فذبحه ثم قال: اللهم هذا عن محمد وآل محمد، ثم يطعمهما المساكين ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين قد كفانا الله الغرم والمؤنة، ليس أحد من بني هاشم يضحي”، (أملحين: مثنى أملح: وهو الذي فيه بياض وسواد ويكون البياض أكثر، أقرنين: أي لكل واحد منهما قرن حسن)، وما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوأين”، (الوجأ: قطع الأنثيين أو رضهما رَضا شَدِيداً يُذْهِب شهْوة الجِمَاع، والموجوء: منزوع الأنثيين، وقيل: هو المشقوق عرق الأنثيين مع بقاء الخصيتين)، وما روي عن جابر رضي الله عنه “أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بكبشين أملحين أقرنين عظيمين موجوأين، فأضجع أحدهما فقال: بسم الله والله أكبر اللهم هذا عن محمد وآل محمد، ثم أضجع الآخر فقال: بسم الله والله أكبر اللهم هذا عن محمد وأمته ممن شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ فذبحه”، وما رواه أبو سلمة عن عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يضحي، اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوأين، فذبح أحدهما عن أمته لمن شهد بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد”، حيث أفادت الأحاديث استحباب السمن فيما يضحى به، لحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على اختيار هذه الصفة فيما كان يضحي به من النعم، إلا أن الفقهاء اختلفوا في حكم تسمين الأضاحي: فذهب جمهورهم إلى استحباب تسمينها ابتغاء لمزيد النفع منها، وهو ما ذهب إليه جمهور المالكية، وهو مذهب الشافعية، وحكاه النووي عن جمهور الفقهاء، وقد استدلوا بما روي عن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه قال: “كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون”، وبما روي عن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه قال: “كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة”، إذ أفاد الحديثان استحباب تسمين الأضاحي، لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وإقرارهم عليه، ويرى فريق آخر كراهة تسمين الأضاحي، وهو قول بعض المالكية، لأن في تسمين الدواب تشبها باليهود، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بهم، فروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود والنصارى”، مما يدل على كراهة التشبه بهم في كل شيء، ومنه تسمين الأنعام التي يضحى بها، إلا أن الذي يرجح في النظر من المذهبين بعد النظر في أدلتهما هو ما ذهب إليه أصحاب المذهب الأول، من استحباب تسمين الأضاحي، لما استدلوا به على مذهبهم، ولأنه لم يرد نص بالمنع منه، بل إن النصوص الدالة على استحباب التضحية بالسمين من النعم، يدل على استحباب اتخاذ السبل المشروعة إلى جعلها سمينة، لأن للوسائل حكم الغايات، وليس التشبه باليهود منهيا عنه في كل شيء إذا سلم أن في تسمين الدواب تشبها بهم، وإنما المنهي عنه هو التشبه بهم فيما هو من أمر الدين مما ورد النهي عن التشبه بهم فيه، وليس تسمين الدواب من هذا القبيل، فضلا عن عدم ورود نص يمنع منه، وإن كان يجوز تسمين الحيوان الذي يضحى به، فينبغي أن يكون تسمينه بأطعمة لا تضر بمتناوليه، لأنه لا يراعى في الأضحية كثرة اللحم فقط، وإنما يراعى كذلك طيب اللحم وتعظيم شعائر الله تعالى، وقد جرت عادة البعض على خلط بعض الإضافات مع علف الحيوان عند تسمينه ليزيد من حجمه، كمساحيق اللحم والعظم والدم والريش ونحوها، من مخلفات المجازر والمسالخ والمفارخ، والمركزات المعدنية، والهرمونات والمركبات المشابهة لها في التمثيل الغذائي، هذا غير المضادات الحيوية والعقاقير والمواد الزرنيخية، من كل ما يكون له أثر في إظهار حجم الحيوان بأكثر من سنه الحقيقية، لأن في إضافتها ضررا بمن يتناولها لخبثها، بالإضافة إلى عدم طيب لحم الحيوان الذي أطعم الأعلاف المشتملة عليها، والفرض أن الأضحية قربة إلى الله تعالى، ولا يتقرب إليه بما يضر بخلقه، فإن الله تعالى لا يقبل إلا ما كان طيبا، فضلا عن هذا فقد نهى عن التسبب في الإضرار بالغير، إذ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا ضرر ولا ضرار”، مما يدل على وجوب توخي المباح شرعا في الأعلاف التي تسمن بها هذه الدواب.
11111ك الله كل خير,,,
مواقع النشر (المفضلة)