إن الطبيعة البشرية قد أودعت في نفس كل امريء أملاً فطرته عليه، فهو مجبول علي حب الرفعة والعلاء، يحدث نفسه دوماً بالارتقاء إلي أسمي المناصب وأعلي المراتب، ومدفوع لاقتحام الأهوال والأخذ بناصية الأعمال، حباً في الوصول إلي المرغوب والحصول علي المطلوب.
وهذه الرغائب تختلف باختلاف الهيئات والمنازع التي يتطبع الإنسان عليها، ويترعرع في مهد الميل إليها. فقد تكون مالاً يفرغ كنانة الجهد في تحصيله، أو علماً يحث مطايا الجد في إحرازه، أو سؤدداً يشحذ غرار الكد في نيله.
وقد تكون تلك الرغائب بعيدة عنه حين شروعه في معاطاة أسباب تحصيلها، فما الذي يقصر مسافاتها المترامية، ويسهل صوب مسالكها المتنائية، ويطوي بينها وبينه مشقة البين، ويجعلها منه معقد الإزار وأقرب من الحاجب للعين، بل أدني من قاب قوسين، ويصير حصولها متحققاً كمضي أمس أو كطلوع شمس هو الأمل تلك العاطفة التي أنار بها الحق جل جلاله نفس الإنسان، وجعلها له في وادي الأتعاب خير عزاء وأعظم سلوان.
فالأمل مدعاة الإقدام ومجلب الجرأة والبأس، ومزيل القنوط ومبدد اليأس، والحافظ بناء الأعمال من السقوط، ومساعي الرجال من الحبوط، و الماحي من الأفكار ظلمات القنوط، فبه تنتعش القلوب وتحيا النفوس، ويشد العزائم ويقوي الهمم.
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
ولكن هل ينال الغني بالمني أو يجني الثمر من غير زرع الشجر، وهل تأتي الأرض بالأقمار بدون حرث أو بذار، أو تنسج الثياب بدون يد أو دولاب؟ حاشا! فلا ينجح الأمل إلا بالعمل. وإلا كيف يتأتي للمؤمل من الدهر، الارتقاء إلي المناصب العليا، وأن ينال آماله لفتوره واهماله؟ تالله لو ظل طول الدهر علي هذا الحال، لما أدرك شيئاً من الآمال.
فعلي الإنسان أن يقرن الأمل بالعمل، بحيث لا يألو جهداً في ذلك، واصلاً ليله بنهاره، غير مكترث بالمشقات والأتعاب، ولا مبال بما يقتحمه من الصعوبات والأهوال، فإن من كان عادته العمل وشيمته الصبر، لابد أن يدرك مناه ويحظي بما يتمناه.
مواقع النشر (المفضلة)