تتسرب في جسمك أسرابه كالنمل، تقاومه بضراوة، تهزأ به، تستصغر شأنه، ولا تتوقع منه أبداً أن تهزمك جحافله، تخذلك قواك، ويخور جسدك المترع بالألم، حين يغزوك الوجع، يدمر فيك الفرح، ويقتل البهجة، الليل طويل، لا نهاية له، والنهار موحش وكئيب، عجلة الحياة لم تستطع طحن أوجاعك.

تحاول إغاظته بالابتسام والسخرية منه، لكنه يقسو عليك، فيبدد متعة الضحك، ويكدر البهجة، في داخلك طفل صغير، يخشى وخز الحقن، وطعم مرارة الكبسولات، تكره أن يدخل جسمك كائن غريب، يتوجسه جسدك الضعيف، تمرح في داخلك حين تستعيد عافيتك، لكن الوجع الماكر، ينتابك فجأة، دون مقدمات أو إنذار، تصرخ متألماً، بينما يجلس بعيداً يبتسم في سادية غريبة.

كنت تعتقد أنك محجب من الأمراض، لا تذكر ذهابك لطبيب منذ سنوات طويلة، ربما تقبع في ذاكرتك الطفولية، صور لرجل أصلع يضع نظارة طبية على عينيه، وفي أذنيه سماعة، تجفل روحك من وقع برودتها، حين تلامس جسدك الساخن، ينظر إليك بعينيك الغائرتيْن، آمراً إياك أن تقول:

- آه.

و لا تعرف ما دخل (الآه) بتشخيص المرض، لكنك امتثلت إليه، وصرخت من الوجع:

- آه.

وعرفت أن كلمة (آه) تريح النفس، وتفرغ ما في داخلك من أوجاع، كان لديك يقين أن بداخلك مناعة فطرية، تسحق أي فيروس تسول له نفسه الخبيثة، محاولة غزو جسدك الحصين.

هل هي السنوات تتآمر عليك، وتدخل في تحالف استراتيجي مع المرض، بغية قهر دفاعاتك القديمة والسيطرة على كبريائك الرزين.

أسوأ شيء في الوجود هو العجز، حين يخونك الجسد، ولا تطاوعك اللياقة، تشعر بالمشيب قبل الآوان، كأن في داخلك رجل عجوز قفز على السطح، وظهر فجأة، ونحى جانباً الشاب المترع بالحيوية، والفتوة.

الأطباء وحدهم يبتسمون في وجهك الأصفر، المقطر بحبات العرق، يطمئنوك، ويأمرونك في عجالة أن تستلقي على أريكة الكشف، الكلام بحساب، والوقت له ثمنه، يخيب ظنك فيهم حين لا يأتي الدواء بنتيجة فورية، تسترجع الأمل، وتتشبث به، ترفع من معنوياتك، الألم قوّض ظهرك وتلذذ بوجعك، أنت ضعيف جداً، وعاطفي أكثر مما يجب، تحتاج ل (عَمْرَةٍ) روحية، تستعيد بها ذاتك، وتنتصر على آلامك، وتخرج لها لسانك، هازئاً بها، وغير مبالٍ بهجماتها الانتقامية المستقبلية.

الحصان الجامح عرف السكون، وصار لا يصلح للسباق، والألم حوذي قاس يلهب ظهره بسوطه الذي لا يرحم، وأشد ما يؤلم الحصان، خروجه من المباراة، ومشاهدته للمشجعين يصفقون لجياد أخرى ربما كانت أبطأ منه في العَدْو، وأقل منه في المهارة.

الحصان الشجاع لا ينتظر أبداً رصاصة الرحمة، عليه فقط أن ينسحب بهدوء.