الإنسان هو ذلك المخلوق العجيب الذي حارت فيه العقول، فهو وإن كان عجيب الخِلقة، فإنه ليس مجهولا ولا لغزا، فهو عندنا كمسلمين يمثل المخلوق ذا النشأة المعلومة، والخصائص المعروفة، فالنفس البشرية مركبة من جزء مادي يميل إلى المادة والشهوات، وجوهر علوي يميل إلى الحق والخير، فالجزء المادي امتزج بنفخة روحية، فنشأت من هذا الاقتران النفس الإنسانية المكَرّمة: “وَإِذْ قَالَ رَبكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِني خَالِقٌ بَشَرًا من صَلْصَالٍ منْ حَمَإٍ مسْنُونٍ. فَإِذَا سَويْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن روحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ”. (الحجر 28-29).
إن الروح الإنسانية هي جوهر فضائل الإنسان، ولكي نعيش سعداء، لابد أن نحمي تلك الروح من لوثات الأرض والشيطان، فالنفس الإنسانية فيها تلك النفحة الربانية، كي لا يبقى الإنسان حيوانيا، وهي تنطلق بروحانيتها من أساس متين ووحيد، وهو الإيمان بالله تعالى.
والأصل في النفس أنها صافية عارفة بربها، فإذا دخلت الجسد واختلطت بأهوائه، غوت النفس وتكدرت، ولكي ترجع إلى رشدها، لابد لها من اتصال بربها، فهو الذي يملك تزكيتها وترقيتها.
والنفس أو الشخصية تعني مجموع المكونات العقلية والروحية والجسمية والاجتماعية، الثابتة ثباتا نسبيا، والتي تميز كل فرد عن الآخرين.
والإنسان على العموم خيّر في جوهره، ولا حاجة للسيطرة عليه والتحكم به، فقط علينا تربيته وتوجيهه ليعلم الحسن والقبيح.
وأفضل طريقة لفهم الفرد هي الوصول إلى طريقته في إدراك العالم وطريقة تفاعله مع غيره، أو ما يسمى بالإطار المرجعي الداخلي للفرد.
وقد تشوه الخبرة أو تبنى على نحو خاطئ، لأنها تتعارض مع مفهوم الذات الخيرة، ويمكن للفرد أن يشربها لأنها تعود عليها، أو لأنه يكون في حالة تهديد نفسي إن لم يتبع المجموع الذي يعيش بينه.
وفي غياب التهديد للذات، فإن الخبرات غير المتفقة مع مفهوم الذات يمكن أن تدرك وتفحص بشكل صحيح.
ثم أنه كلما كان إدراك الفرد أكبر، وكانت لدى الذات خبرات أكثر، ازداد مفهوم الذات لديه وأصبح أقدر على إدراك الخبرات من دون تشويه ولا تحريف. ولكي يعيش الإنسان مغزى الحياة، ولكي يشعر بالنعيم الداخلي والخارجي، لابد أن تكون النفس متكاملة بكل أبعادها، وهذا لا يأتي إلا بالتربية المتكاملة والمتوازنة، تلك التربية هي التي تساعد على النمو فرديا وجماعيا، وهي التي تعطي للحياة مغزى ومعنى، والمغزى يمثل هدف الإنسان الأعلى في الحياة، فالكل سيلقى الله، والمعنى يمثل النعيم الداخلي والخارجي، وبغير هذه المسلّمات فسيبقى الإنسان يعاني من تسلط المجتمع عليه بقيمه الخاطئة، وحينها سنشعر بالشقاء ونحن لا ندري له سببا.
مواقع النشر (المفضلة)