كل موظف معرض لأن يعتدي عليه مراجع أو عميل، لفظيا أو جسديا أو بالاثنين معا، ولكن ما قد يغير مجرى وقوع هذا الأمر هو كيف يحسن الموظف التعامل مع هذا الموقف، الذي لا يحسد عليه أحد في العمل.
ومن طرق التعامل مع الإساءة اللفظية أن 'يمسك الموظف عن الكلام' للحظات فور سماعه للسباب اللفظي، فلحظات الصمت هذه تحرج المعتدي، وتساهم بشكل كبير في لفت انتباه شهود العيان إلى هول الصدمة وبالتالي تعاطفهم مع الموظف المتضرر. غير أن ما يفسد على الموظفين المعتدى عليهم هو طريقة ردهم على الإساءة، كأن يمطرون العميل أو المراجع بوابل من الشتائم المضادة، على نحو أقسى بكثير مما تفوه به العميل، كأن يطعنون في عرضه وشرفه - تحت تأثير الغضب - مع أن المراجع لم يصل إلى هذه المرحلة من الشتائم، عندئذ تقع المواجهة التي لا تحمد عقباها.
كما أن مقابلة الموظف الإساءة بالإحسان، يحرج المراجع أو العميل أمام شهود العيان، كأن يقول له بانكسار أو بصوت خفيض: 'سامحك الله' أو 'لم أتوقع هذا منك' أو 'هل هذا جزاء من يريد خدمتك؟' وما شابهها من جمل تستدر عطف المستمعين أو الشهود عل المعتدي يعود إلى رشده ويشعر بإساءته ويغير من نبرة صوته فيعتذر.
ومما يؤلم، حقيقة، أن بعض الشركات لا تأبه بأن تداس كرامة الموظف أو أن يترك عمله، في سبيل أن تبقى علاقتها مع 'العميل المهم' وثيقة، وهذا التصرف الشائن لا يمت إلى أخلاقيات الإدارة بصلة، ويأتي بنتائج سلبية على المؤسسة. ذلك أن الموظف على يقين تام بأن أحدا لن يقف معه في محنته، فيجد نفسه مضطرا إلى أن يصب جام غضبه على العميل، أمام مرأى ومسمع من العملاء، وهو بحد ذاته دعاية سلبية عن المنظمة، لكن إذا أدرك العميل أنه في 'موقف قوة' أي أن من اعتدى عليه سوف يتم إيقافه عند حده من قبل الإدارة أو رجال الأمن فإن الموظف يستطيع اتخاذ قرار 'العفو عند المقدرة'، لاسيما إذا ما كانت في الوقت نفسه جزاءات الإدارة رادعة تجاه أي موظف يعتدي على مراجع أو عميل.
وشخصيا لا أؤمن بالمقولة الإدارية الدارجة 'العميل دائما على حق' عندما يرتكب هذا العميل في حق موظف ما إهانة لفظية أو جسدية بالغة لا يمكن السكوت عنها. وهنا دور المدير أو المسؤول بالتدخل الفوري لاحتواء العميل وتهدئته وجعله يفرغ كل ما يود أن يقوله على انفراد ومن دون مقاطعة ويظهر له التعاطف المطلوب أثناء الاستماع لأنه يهدئ من فورة الغضب، ثم يطلب منه بعد أن يهدأ ويحصل على مراده، أن يعتذر إلى الموظف الذي لم يرتكب خطأ جسيما يستحق أن يهان من أجله. خاصة أن قوانين الجزاء في دول عربية عديدة تنزل عقوبات قاسية في حق من يعتدي على موظف عام أثناء تأدية عمله. وللعلم فإن بعض العملاء يقسون على موظفين اعتقادا منهم بأنهم هم سبب بطء سير المعاملة، غير مدركين أن هذا الأمر متعلق بنظام العمل الموضوع من قبل الإدارة العليا، وليس لهذا الموظف المسكين دور في ذلك.
ومن الطرق الجيدة التي تذكر المراجعين بعواقب تعديهم على أي موظف أثناء تأدية عمله، هو ما رأيته في أحد المستشفيات، التي تتعرض على ما يبدو لحوادث اعتداء على الأطباء ومساعديهم أثناء تأديتهم لأعمالهم، إذ تعلق الإدارة يافطات في أماكن بارزة كتب فيها نصوص مواد من قانون الجزاء التي تشير إلى العقوبات المقررة بحق من يعتدي على موظف عام أثناء تأديته لعمله.
بشكل عام إذا تمادى العميل ورفع يده أو أي شيء آخر ليقذف به الموظف فإن جميع الزملاء يفترض أن يهبوا لنجدة زميلهم، لأن هذا العميل قد يصيب الموظف بمكروه، لاسيما أنه لم يحترم حرمة المكان العام، وكم من موظف أصيب بعاهة مستديمة أو فارق الحياة جراء دخوله في مشاجرة عنيفة. وحتى لا يتطور الأمر إلى حد التشاجر بالأيدي فإن الموظف يتوقع منه ألا يصعد من مستوى المواجهة، خاصة إذا ما لاحظ مسبقا من نظرات العميل أو إيماءاته الجسدية ما ينم عن احتمالية وقوع مواجهة لفظية أو جسدية. وعليه فمن الأفضل أن يدعو الموظف هذا العميل المغتاظ إلى غرفة مغلقة أو أن يقدم إليه مشروبا باردا، حتى ولو لم يطلب، حتى تهدأ أعصابه، لأن الغضبان لا يدرك ولا يعي أقواله وتصرفاته، ويتسبب في إفساد جو العمل على الموظفين والمراجعين أو العملاء.
مواقع النشر (المفضلة)