عشت لحظات لن أنساها طوال عمرى ،لم أرى فى حياتى مثلها ، كانت لحظات ولكنها كالهر كله .
تعودت أن أستقل القطار أثناء الذهاب إلى عملى لعدة أسباب منها :
- أننى كنت أعتقد أنها وسيلة أمنه .
- الابتعاد عن سائقى السيارات الغير ملتزمين .
وكعادتى كل يوم أستيقظ مبكراً لأصلى الصبح ثم أتوجه إلى محطة القطار حيث ألتقى أنا وابن عمتى المهندس/ سامح ، وصديقنا الثالث السيد/ خالد ونستقل سوياً أحد القطارات المتجهه إلى مقر عملنا ، وصلت أولاً إلى محطة القطار وتقابلت مع صديقى خالد وإنتظرنا المهندس سامح ولكنه لم يأتى بعد ، وفى هذا اليوم وجدنا أن حركة القطارات غير منتظمة كعادة هذه القطارات الأعطال وعدم إنتظام المواعيد ، (وهذه أحد الأسباب التى تدفعنى للسفر مبكراً) فكررنا أن نستقل قطاراً كان موجوداً بالمحطة وبالفعل دخلنا القطار وجلسنا وأخذنا ننظر أيأتى سامح أم لا ، نعم لقد أتى سامح وحضر إلينا فى القطار وأخذت ألح عليه لكى يجلس معنا فقال لى سامح لا يوجد مكان بجواركما ولكن يوجد مكان أخر فى الأمام . فقلت لسامح أنتظر بجوارنا وسنبدل الأماكن سوياً ، فقال لاتقلقوا سأجلس بالقرب منكما لأقرأ القرآن ، وبالفعل ذهب سامح وجلس بالقرب منا ، وكان خالد يجلس أمامى مباشرة ، وكنا نجلس فى العربة قبل الأخيرة فى الثلث الأخير من العربة ، وتحرك القطار بنا ، وقد تعود خالد أن ينام بعد أن يجلس وكنت أنا الأخر أغمض عينى فقط دون أن أذهب فى النوم وأثناء سير القطار وجدت القطار يتوقف وبعد ذلك أحسست أن القطار يتحرك ببطء ، وبعد ثوان أحسست بشيئ يصتدم بنا ، قوة إصتدام فظيعه ، لن يتخيل أحداً أبداً مدى قوة هذه الصدمة الرهيبة لقد إنخلع قلبى معها ، وخارت قواى ، وتشتت فكرى مع هذه الصدمة ، وبعد هذه الصدمة الرهيبة أحسست أنى أتحرك بالمقعد الذى أجلس عليه وأن شيئ لا أعرفه يقوم بتطبيق القطار فوقنا ، نعم والله العظيم كانت قمة الرعب والخوف والهلع من المجهول حيث تنطبق المقاعد التى نجلس عليها تنطبق علينا وينطبق سقف وجوانب القطار فوقنا ، فتخيلوا مدى ما وصلت إليه من إنهيار عصبى ، على فكرة كانت هذه المشاهد فى لحظات ولكنها كانت كعمرى كله بل أكثر من ذلك ، وأثناء بدء هذا الارتطام ، أتعلمون لم يكن على لسنانى إلا كلمة (لا إله الا الله) ، وبعد سكون القطار من الارتطام وجدت نفسى وسط كومة من الحديد ووجدت سقف القطار فوق قدمى ، ولم أرى أحد أمامى ، وأخذت أتسائل مع نفسى ، أين الناس التى كانت تجلس أمامى أين أختفوا لم يعد لهم وجود ، نعم لا أرى أمامى إلا حديد وأمام عينى مباشرة وجدت منظراً لن أنساه أبداً وجدت أمعاء معلقه على قطعة حديد ، لقد بكيت كثيراً أين ذهب صاحب هذه الأمعاء لا يوجد معها شيئ سواها ، ولم يتوقف لسنا عن ذكر قول ( لا إله إلا الله) ونظرت خلفى فوجدت المقاعد منطبقة على أصحابها الذين كانوا يجلسون فوقها ، ويصرخون من شدة الآلم ، ووجد بعض الشباب يحملون زجاجات الماء لنشرب ولكن من فى هذا الوقت يفكر فى أن يشرب ، والبعض الأخر يحاول مساعدتنا لاستخراجنا وأخذو يحاولون تكسير المقاعد لاستخراجنا ، وأخذ صوتى يرتفع بذكر الله وأحاول تحريك قدمى ولكنى لا أستطيع ، حاولت أن أمد يدى لأعرف هل قدمى موجودة أم بترت ، لا تستطيع يدى أن تصل إلى أى جزء من قدمى ، أخذت مرة أخرى أحول تحريك قدمى وهنا سمعت صوت صديقى خالد الذى كان يجلس أمامى يتألم بصورة فظيعة ولكن لا أستطيع أن أراه فنظرت مرة أخرى فرأيت قميصه لقد كان محشوراً تحت المقعد ، والأفظع من ذلك أننى وجدت نفسى أجلس فوق شخص ما ، فأخذت حالتى تزداد سوءاً ، فحضر لى شخص وأمسك بيدى محاولاً إستخراجى ولكن دون جدوى فإنصرف عنى وتركنى أتعذب مرة أخرى ، وبعد فترة حضر شخصان وأمسك كل واحد بيد يحاولون إستخراجى ولكنهما عجزوا عن إستخراجى وهموا أن يتركونى وهنا أمسكت بكلتا يدى بملابسهم حتى لا يرحلوا ويتركونى فقد كنت أنتظر أن يحدث تابع للحادث مثل أن يشب حريق ، فإن حدث هذا أين أذهب أين أفر من الموت المحقق سأحترق وأنا جالس فأمسكت جيداً بملابسهم ، وهنا حضرا أثنان أخران وأمسك كل أثنين من يد وأخذو يجذبونى من يداى حتى خرجت الرجل اليمنى أولاً وبعد لحظات أخرى من الجذب خرجت الرجل اليسرى بصعوبة جداً ، وأثناء هذا كله لم أحث مطلقاً بأى ألم فى جسدى لقد كان الهلع يسيطر تماماً على ، وخلال هذا لم أفكر فى أى شيئ مطلقاً سوى الله سبحانه وتعالى وبعد خروجى حملنى شابان وهنا وجدت صدرى كأنه قد كسر بالكامل ، وقدمى تؤلمنى لا أستطيع تحريك أى جزء من جسدى وبعد نزولى من القطار حملنى شخصان أخران وقال لى أحدهم لا تخف لن أتركك وحدك وأخذ يهدء من روعى وألمى وكانت تقف عربة إسعاف ولكنها ذهبت بأحد المصابين فوضعونى على تربيزة وبعدها حضرت سيارة إسعاف أخرى ثم أدخلونى فيها وأخرون ثم ذهبت بنا إلى المستشفى ولم أرى هذا الشخص مرة أخرى الذى كان يهدء من روعى نعم لم أراه بعد ذلك ، وحملونى داخل المستشفى ، حاولت أن أمد يدى إلى جيبى لأبحث على تليفونى المحمول ولكن لا أستطيع أن أحرك أى جزء من جسدى ، فالكثير من الأشخاص يأتون إلينا ليأخذوا أسمائنا ومقر عملنا ، وحضر شخص يطلب أرقام التليفون الخاصة بنا ليتصل بهم نيابة عنا ولكن قد مسحت ذاكرتى من أى أرقام حتى رقم منزلى قد مسح لم أعد أذكر أى شيئ سوى الحادث الآليم ، وأخذت مرة أخرى أتحامل على نفسى بكل ما أستطيع حتى وجدت يدى تمسك بالموبيل فحمدت ربى كثيراً فهو مسجل عليه جميع الأرقام الخاصة بى ، وسألت أحدى السيدات عن أسم المستشفى فأخبرتنى بها وعرضت على أن تتصل بأى رقم خاص بى فقلت لها أنى وجدت الموبيل وسأتصل أنا ، وبالفعل قمت بالاتصال بزميلى فى العمل ولكنه لم يرد ثم وجدته يتصل بى فقمت على الفور بالرد عليه ولكن صوتى كان ضعيفاً جداً وأخبرته عن مكان تواجدى فطمأنى وقال لى أقفل وسأتصل بك مرة أخرى وبعد لحظات وجدته يتصل بى ويخبرنى بأن ثلاثة من زملائى فى الطريق إلى المستشفى للوقوف بجانبى ، وقمت أيضاً بالاتصال بأهلى لأنى كنت بحاجة إليهم أكثر من أى شيئ كنت بحاجة لدعائهم لى فى كربى هذا ، ثم وجدت سامح يتصل بى فقمت بالرد عليه وقال لى أين أنت فأخبرته ، لقد كان سامح بعيداً ما عن حطام القطار ، ثم سألنى عن صديقنا خالد فقلت له تركت خالد صاحى ، وبعد فترة حملونى وأدخلونى غرفة الأشعة وقلت للسيدة التى ترافقى أن تخلع عنى الجورب من قدمى ووجدت قدمى تنزف كثيراً وتم عمل الأشعة لى لقد أصبت بثلاث كسور فى قدمى اليسرى ، وبعد ذلك أدخلونى إحدى الغرف حتى يتم عمل اللازم لى ، ولم أعرف ما سبب هذا الحادث إلا داخل المستشفى فقالوا لنا أن أحد القطارات إصدم بنا من الخلف بكامل سرعته ، وبعد فترة وجدت زملائى وأهلى قد حضروا ليقفوا بجانبى ويدعوا لى بالشفاء ، وحضر ابن عمتى ورفيقى فى السفر وأخبرنى أنه أحضر صديقنا الثالث خالد إلى نفس المستشفى وأن حالته صعبة جداً أسوء من بكثير فعنده كسر بالحوض وكسر بالفخذ ، وتم تحويلى إلى إحدى المستشفيات المتخصصة بالعظام لعلاجى ، وحضر الكثير من زملائى وأهلى ليطمأنوا على صحتى لقد كانت ملابسى ممزقة وعليها صدأ الحديد الناتج عن تحطيم القطار ، لقد كنت أبكى لا من الآلم ولكن مما رأيته من إنهيار عصبى وإنتظار المجهول داخل مصيدة الموت ، فمنا من مات تاركاً أولاداً صغاراً بدون عائل ، ومنا من أصيب بعجز فلن يستطيع بعدها أن يمشى على قدميه أو يعمل بيديه ، لقد كانت تحصد فى أرواح شباب لا ذنب لهم سوى أنهم خرجوا بحثاً عن لقمة عيش ، لقد كانت أصعب لحظات فى حياتى هى الفترة التى قضيتها داخل هذه المصيدة فى إنتظار المجهول . فلن يحث أحد بفظاعة هذا الحادث إلا من عاشه ومر به .
وفى نهاية هذا اليوم الذى لم أرى مثله تذكرت الحلم الذى رأيته فى منامى قبل الحادث فقد كان يحتوى على بعض ما حدث لى .
فهل يستطيع الزمن أن يزيح عنى ما رأيته من أحداث حقيقية مرعبه مازالت تطاردنى . فدائماً أرى كوابيس بسبب هذا الحادث .
فهل أستطيع الخروج من هذه الحالة النفسية الصعبة .
مواقع النشر (المفضلة)