بيع ما اشتمل على ضرر
ايخفى أن من الأشياء المعروضة للبيع ما يشتمل على ضرر بمن يشتريه، سواء كان الضرر الذي يعود على المشتري ضرراً صحياً أو مالياً أو اجتماعياً أو نحو ذلك، ومن الأمثلة على ما يباع مما يشتمل على ضرر بصحة المشتري: المواد الغذائية أو الدوائية التي انتهت مدة صلاحيتها أو قاربت على الانتهاء، أو المواد غير المطابقة للمواصفات القياسية في تصنيعها سواء كانت غذاء أو دواء أو نحوهما، أو المواد سيئة التغليف أو التخزين أو العرض، أو التي أضيفت إليها مواد ضارة بصحة الآدميين، كالمواد المسرطنة أو المشعة أو السامة، أو نحوها، هذا غير المواد المسكرة والمخدرة، التي لا يقتصر أثرها الضار على صحة من يتناولها، بل يتعداها إلى إحداث الوفاة، ومن الأمثلة على ما يباع مما يشتمل على ضرر مالي: المواد السابقة، بحسبانها خلت من النفع، وكل ما خلا من نفع لمتناوله فقد لحقه من شرائه ضرر مالي بابتياعه، وتضاف إلى هذا السلع السابقة وغيرها مما تلحق بمشتريها ضررا ماليا، كالسلع المغشوشة أو غير المطابقة للأوصاف أو التي لا تصلح للاستعمال، سواء كانت من قبيل الملبوسات أو الأثاث أو الأجهزة الكهربائية أو المعدات أو نحوها، ولا يبعد أثر ذلك كله عن النواحي الاجتماعية، باعتباره يصب في الجانب السلبي لمكاسب المجتمع، بل إنه يؤثر بالسلب على مسيرة اقتصاده ونمط إنفاقه واستهلاكه ومستوى صحة أفراده، ولم تخل الشريعة الإسلامية الغراء من تناول حكم ذلك، إذ حرمت كل ما ينجم عنه ضرر للغير، بكثير من النصوص قطعية الدلالة، والتي منها: قول الله تعالى: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، وقوله سبحانه: “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما”، حيث نهي الحق سبحانه عن قتل النفس والإلقاء بها إلى ما فيه هلاكها، وهو نهي يقتضي حرمة المنهي عنه، وكل مبيع يترتب عليه هلاك نفس بشرية أو تعريضها للهلاك، فهو محرم، لأن ما يتوسل به إلى محرم فهو مثله في الحكم، لأن للوسائل حكم غاياتها في هذه الشريعة، فدلت الآيتان على حرمة بيع كل ما يشتمل على إضرار بالغير، وإن لم يصل إلى حد إهلاكه، وروي عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “لا ضرر ولا ضرار، ومن ضار ضاره الله ومن شاق شق الله عليه”، فقد نفى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الضرر والضرار، والمقصود بالضرر: إلحاق الضرر بالغير مطلقا، والمراد بالضرار: إلحاق الضرر بالغير على وجه المقابلة، أي رد المضرور على الضرر الذي لحقه بإلحاق ضرر مثله بمن ضره، ونفي الضرر والضرار في الحديث بمعنى النهي، أي لا ينبغي أن يضر أحد بغيره، ولا ينبغي أن يضر اثنان ببعضهما على وجه مقابلة الضرر بمثله، وقد ورد الضرر والضرار في الحديث نكرة في سياق النهي، وهو صيغة من صيغ العموم، فأفاد الحديث النهي عن إلحاق الضرر بالغير إنسانا كان أو غيره، أيا كان مقدار هذا الضرر وأثره ونوعه، وأورد وعيدًا على من يضر بغيره، وهذا النهي يقتضي حرمة بيع ما يلحق ضررا بمشتريه أيا كانت طبيعة هذا الضرر والأثر الذي يحدثه شراء ما اشتمل عليه، ومن النصوص الدالة على حرمة ما فيه ضرر بمتناوله، ما روي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) “أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؛ من غش فليس منى، وفى رواية “من غشنا فليس منا”، (الصبرة: هي الكومة)، ومما لا شك فيه أن هذا الحديث يقعّد لحرمة كثير من المعاملات المشتملة على ضرر، والتي لا يتمكن مشتريها من الوقوف على وجوه الضرر منها، فإن الطعام الذي فسد بسبب ماء المطر لا يصلح للاستهلاك الآدمي، وبيعه مستترا على هذا النحو فيه خداع للمشتري، أشبه بالخداع والتدليس الذي يقوم به بائعو السلع الغذائية أو غير الغذائية غير المطابقة للمواصفات أو التي لا تصلح للاستعمال أو التي لا يمكن الانتفاع بها، أو تلك التي انتهت مدة صلاحيتها، أو أضيفت إليها إضافات ضارة بالصحة، أو نحو ذلك من وجوه الضرر التي تتصور في شأنها، مما لا يتمكن المشتري من الوقوف عليها غالبا، ومما يدل على حرمة بيع ما اشتمل على ضرر ما روي عن عمران بن حصين (رضي الله عنه) مرفوعا وموقوفا عليه “النهي عن بيع السلاح في الفتنة”، لما فيه من إلحاق الضرر بأمن المجتمع المسلم، وقد تنكب البعض على هذا النهي الآن، فكانت تداعيات تنكبهم وخيمة على أمن المجتمع الذي انتشر السلاح بين أفراده، بحيث لم يعد أحد بمأمن في غدوه أو رواحه من أن يصيبه أو أهله ضرر ممن يحملون هذا السلاح، وقد استدل الفقهاء بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: “لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه”، وزاد في روايته “وآكل ثمنها”، وحديث أنس (رضي الله عنه) أنه قال: “لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها، وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها وآكل ثمنها، والمشتري لها والمشتراة له”، على حرمة بيع العنب ممن يعصره خمرا، لما فيه من الإضرار بمن يتناولها، وهذا وغيره يدل على تحريم الإسلام بيع كل ما اشتمل على ضرر.
ك الله كل خيـــــــــــــــر,,,
[/align]
مواقع النشر (المفضلة)