لإمام المسجد مسؤوليات واجبة عليه تمليها تلك المكانة التي عيّن نفسه أو عُيّن عليها، وهذه المسؤوليات تنطلق من إمامته للمصلين في أوقات الصلوات ولا تنتهي عند حد في النصح والتوجيه والإرشاد والتعليم والإصلاح، وفوق ذلك كله في أمرين: أولهما القدوة الحسنة الظاهرة في السلوك والتعامل والمظهر الشرعي اللائق، وثانيهما الباطن وصلاحه المتمثلة في القلب ونزاهته.
ولقد أخطأ من الأئمة من فهم أن دوره ينحصر في إمامة المصلين أو إلقاء الخطب عليهم في يوم الجمعة فقط؛ فإمام المسجد صاحب رسالة سامية عالية يؤم المصلين كعمل واجب يتقاضى عليه مرتبا، وهو أيضا مصلح اجتماعي بين المتخاصمين من جيران وأزواج في حيه، وهو حلقة وصل بين الباذلين والمنفقين وإخوانهم المحتاجين من فقراء ومساكين من أهل الحي..
وإمام المسجد مستشار مؤتمن ومرجع لسكان الحي، يستشار في أمور متعددة، ويجب أن يطلع ويقرأ ويتثقف ويطور نفسه بالدورات التي من شأنها أن تجعله بارعا في هذه النواحي جميعها.
وهذه المكانة لا تتأتى من فراغ ولا من دعاوى كلامية، وإنما معيارها هو رضا المصلين عن إمام المسجد فيما يرضي الله ومحبتهم له، تلك المحبة التي تجعلهم يوقنون أن إمامهم يقوم بأدوار كثيرة نافعة تفوق ما يتقاضاه من مرتب في سبيل نفعه للآخرين.
إن مما يؤسف له تلك السلبية التي يعيشها بعض أئمة المساجد - هداهم الله - فلا يقوم بدوره كإمام، ومن باب أولى فهو لم يصل إلى قلوب أهل الحي ولم يحقق أدنى درجات الرضا المطلوب، وهذا ما يجعلهم لا يفضون إليه بأسرارهم ولا يدخلونه معهم في جلساتهم ورحلاتهم وتجمعاتهم على أقل تقدير، ناهيك عما قد يحدث من نقاشات المصلين ورفعهم للأصوات بكلام لا يليق في غير المساجد فكيف به ببيوت الله. والأولى بالإمام القدوة أن يتحمل تلك الانتقادات ويعالجها بالتي هي أحسن ولا سيما إن كانت ممن أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوقيرهم وتقديرهم من كبار السن على وجه الخصوص. ففي سنن أبي داوود عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ)، وكذلك عدم الرد على من يتكلم في المسجد ويرفع صوته من صغير أو كبير؛ حفظا لمكانة الإمام وصيانة للمسجد من كلام لا يليق.
وليسمح لي بعض الأئمة الذين تقوقعوا خلف مكبرات الصوت واهتموا بجمال الصوت وارتفاعه دون قيام بالأدوار الأخرى لإمام المسجد، بل إن بعضا منهم لم يقم بواجبه كإمام للمسجد، بل يغيب أكثر مما يحضر ويلقي بمسؤولية إمامة المسجد على كل متبرع ومحتسب، ومنهم من يتحجج بحجج منها أنه يقوم بالدعوة إلى الله وإلقاء الكلمات والمواعظ، وهذا ليس بعذر في كل الأحوال إلا إن سبق ذلك إذن من الوزارة في هذا الخصوص.. ليتسع صدور إخواني من أئمة المساجد في أن أقول لهم: راجعوا حساباتكم واهتموا بما كلفتم به، ومن لم يستطع القيام بهذه المهمة فليكن شجاعا وليترك الأمر إلى من يستطيع.
إن الاهتمام بالصوت ومكبرات الصوت ليس عيبا بل هو مطلب بالحد المعقول، أما أن ينصب اهتمام الإمام على هذا الأمر فقط فهذا في نظري هو القصور في الفهم والتقصير في المسؤولية.
إن هذه وجهة نظر أتمنى أن أصيب فيها وأن أكون قد أوضحتها لإخواني من أئمة المساجد، ولعلها تكون دافعة لي ولغيري للتطبيق وزيادة الحرص، فكلنا مقصر، وعسى أن تكون حجة لنا لا علينا..
والعبد شيمته الخطا
عنه الكمال تمنعا
مواقع النشر (المفضلة)