لا تقتلوا أيامكم
ينقص عمر الإنسان الذي قدره له الخالق - جل وعلا - مع كل يوم ينطوي، ولكن مع معرفة الإنسان بهذه الحقيقة نجد أن غالبية البشر يتمنون أن يمضي الوقت سريعاً!! فهناك من لديه الاستعداد الكبير لأن يضحي بأيام من عمره لتذهب سدى من دون أن يعيشها أو أن يحاول استثمارها والاستفادة منها؛ فكم هي كثيرة تلك الأيام التي جعلناها رهينة الانتظار والجمود فتضيع دون أن نستفيد منها.عندما يأتي الشتاء ببرده القارس يتمنى البعض أن تمر أيام الشتاء سريعة؛ لأن فصل الشتاء هو موسم الإنفلونزا التي قد تضطر البعض ممن يصابون بها إلى أن يرقدوا على فراش المرض. ومع هذه البرودة الشديدة يضطر الإنسان إلى أن يؤجل بعضاً من مشاريع حياته إلى أن تنجلي أيام الشتاء، رغم أنه كان في الإمكان تقبل الأجواء الباردة والتعايش معها كما هي دون أن تؤثر في حياتنا.
طالب الوظيفة يتمنى أن تمرّ الساعات سريعة لتأتي ساعة تسلم الوظيفة؛ فيهنأ بمصدر رزقه في هذه الحياة، لنجد أنه يهمل حياته ويجعل من الوظيفة همه الأول فيصيب حياته الجمود حتى يجد الوظيفة التي يتطلع إليها، رغم أنه كان في الإمكان أن يستثمر طالب الوظيفة وقته في أي عمل قد يكون بديلاً مؤقتاً للوظيفة الحكومية، كمهنة بسيطة في قطاع خاص يستفيد منها الخبرة (وبعضاً من المال)، أو أنه يلتحق بما هو متاح من دورات تدريبية تزيد من كفاءته وخبرته، أو أنه يستغل مواهبه وقدراته في مختلف وجوه حياته، وهذا لن يمنعه من أن يستمر في البحث عن الوظيفة التي يطمح إليها.
الفتاة التي تأخر سن زواجها نجد أنها تتقوقع على نفسها وتكون في حالة انطواء عن المجتمع فتمضي أيام عمرها وهي تنتظر؛ لأنها تعتقد أن تأخر زواجها يعتبر عيباً وعاراً يظل يلاحقها إلى أن تتزوج! رغم أنه كان بإمكان هذه الفتاة أن تمارس حياتها بشكل طبيعي وأن تبحث عن ذاتها وتعيش أيام عمرها كما هي، ولكنها آثرت التضحية بأيام من عمرها تقضيها في انتظار النصيب، فتضيع أيام عمرها في الانتظار وكأن حياتها قد توقفت ولن تسير إلا برجل يأتي فيتزوجها ويحرك لها حياتها!
لن أخوض كثيراً في ذكر أمثلة أخرى تدل على أن هناك من يقتل أيامه فتضيع منه دون أن يستفيد منها. وأنا هنا أتساءل: لماذا يضطر الإنسان إلى أن يتمنى أن تمرّ ساعات حياته مسرعة؟! ولماذا لا يتعايش الإنسان مع واقعه بكل ما يحمله هذا الواقع من أحزان أو أفراح؟! ولماذا نضطر إلى أن نكون فريسة سهلة لمرض الانتظار (الممل) الذي جاء نتيجة سلبيتنا في التعامل مع الوقت، وعدم تقديرنا لهذا الوقت.
لابد أن يعي الإنسان أن أيام عمره محدودة وأن كل يوم يذهب لن يعود مرة أخرى؛ فلنستغل كل دقيقة من عمرنا، ولنقبل على الحياة بتفاؤل؛ فالتفاؤل يعزز الآمال ويجعل من تحقيقها أمراً قريب المنال.
وهذا يتطلب أن يتعايش الإنسان مع واقعه كما هو، بحلوه ومره، وأن لا يجعل من الجمود والحزن أموراً تتحكم في مصير حياته.
مواقع النشر (المفضلة)