عفاف ابنة الشيخ محمد الغزالي إنسانة بسيطة جدا، لا تعرف التكلف، فوالدها الداعية والمفكر الإسلامي الكبير الشيخ محمد الغزالي؛ نشَّأها تنشئة إسلامية. تزوجت «عفاف» الصحافي محمد عبد القدوس، وقد راهن الجميع على فشل هذا الزواج؛ لاختلاف تنشئة كل منهما، فهو سليل أسرة أرستقراطية وهي تنشئتها دينية
كيف كانت حياة الشيخ الغزالي؟
والدي كان رجلا بسيطا يعرف الله، انتقل للعمل في المملكة العربية السعودية عام 1943، وولدت عام 1955 بالمدينة المنورة، وعاد والدي إلى القاهرة لفترة، ثم عاد مرة أخرى إلى السعودية حيث عمل أستاذا بجامعة الملك عبد العزيز، وجامعة أم القرى ثم استقر في السعودية لفترة طويلة، وتوفي والدي ودفن بالمدينة المنورة عام 1986م، وكان والدي رجلا زاهدا، ومع الله دائما، وأنا لا أنسى كلمة الملك عبد الله الذي كان ولياً للعهد وقتها، حيث قال «الأرض الطاهرة نادت الجسد الطاهر».
ما القيم التي غرسها الراحل في أولاده؟
الحمد لله أن والدي جعلنا نرتبط بالله ارتباطا عظيما، وأن نكون مرتبطين بالصلاة وقراءة القرآن، وقام بتربيتنا تربية إسلامية صحيحة، وهي نابعة من القلب ومن العقل معا، فهذه نعمة كبيرة جدا قدمها لنا الله تعالى بالوالد والوالدة اللذين كانا مكملين لبعضهما ، فكان والدي من ناحية الفكر الإسلامي والصلاة وأركان الإسلام جميعها، ووالدتي من ناحية الحياة العائلية والاجتماعية والحياة العامة والخاصة، وهذه أثرت في طفولتنا والتي كانت سليمة والحمد لله.
أسرة الشيخ الراحل محمد الغزالي.
نحن سبعة أبناء، خمس بنات منهن أربع تخرجن في كلية الآداب قسم فلسفة، والخامسة تخرجت في كلية التجارة، وهن هدى، إلهام، سناء، عفاف، ومنى، وولدان هما المهندس ضياء والدكتور علاء.
ما أهم وصايا الشيخ الغزالي لأبنائه؟
أن نكون مع الله في كل لحظة، وهذه كانت أحسن وصايا الشيخ لنا ـ رحمه الله ـ.
هل تدخل في اختيارك التخصص العلمي؟
الجانب التعليمي كان باختياري أنا وإخوتي، فكان ـ رحمه الله ـ لديه عقل راجح، ويكتفي بتوجيهنا، ونحن نختار الطريق الصحيح.
ما هوايتك في الطفولة بصفة عامة؟
كانت هوايتي غريبة إلى حد ما، وهي حبي للناس البسطاء، وأن أجلس معهم وأخالطهم، وقد رزقني الله بزوج عقله كبير، ووالده ـ الله يرحمه ـ كان عقله أوسع، وهو الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس، وكان قد طلب مني أن أناديه «بابا»، وقد استأذنت والدي الشيخ محمد الغزالي في ذلك، فوافق وقلت له بابا لمدة أربعة عشر عاما حتى رحل عنا.
تضيف: أتذكر الآن إحسان عبد القدوس الإنسان، وليس الكاتب الشهير، فقد كان يعطيني أموالا كثيرة، فأنفقها في سبيل الله، وعرف الرجل ذلك بذكائه، وخشي عليَّ من كثرة الإنفاق فطمأنته، وذكرته بقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أنفق يا بلال ولا تخف من ذي العرش إقلالا، وربنا لا ينسانا، وقد خاف علينا والدي أيضا، وقال بعد فترة: من الذي يمدك بالمال؟ فقلت: الله معنا دائما ويرزقنا.
في مرحلة الشباب والانطلاق هل كان «الشيخ» كاتم أسرارك؟
في هذه المرحلة كنت أبحث عن الفقراء والمحتاجين، وقد حذرني والدي، وقال اعملي هذا العمل بعقل وتدبر، فكنت أزور الأزهر، وأتقرب إلى الفقراء مع أنني كنت أسكن في الدقي وسط مجتمع راقٍ، وكنت ألبس ملابس بسيطة؛ لأرى هؤلاء الناس، وأعرف معيشتهم، فأنا منذ 31 عاما ـ هي عمر زواجي من الأستاذ محمد عبد القدوس ـ وحتى الآن أصوم وأحافظ على وزني الجسدي، فدائما أصوم معظم أيام الأسبوع، بجانب الصلاة وقراءة القرآن.
هل كان الشيخ يتدخل في اختيار أصدقائك؟
أصدقائي من العائلات الراقية جدا بحكم الترابط الاجتماعي، ولكني أحب أن أجلس مع الناس البسطاء، وكان دائما يسألني عن الطبقة الأرستقراطية المتعجرفة، وكيف أتعامل معهم، ولكنى كنت أقول له بفضل الله إنني على الطريق الصحيح، فكانوا دائما يقولون: إن زوجي ذو هيئة كبيرة، وأنا صغيرة الحجم، وملابسي بسيطة ولكني كنت أصر على ذلك، وكان الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس يقوم بشراء ملابسي من الخارج.
من خلال التجربة الواقعية هل تستطيعين أن تلخصي لنا منهج الشيخ في تربية أبنائه؟
من خلال كتبه الكثيرة يمكن أن نعرف كيف كان يربي أولاده، وهي:
«هموم داعية»، و»مع الله»، وهذا منهج الدعوة إلى الله و»ظلام من الغرب» وهذا يعكس ما جاء لنا من الغرب من تقاليد وقضايا المرأة الوافدة، وهو فكر خاطئ، وينعكس على سلوكيات المرأة من مظهر ولبس وأفكار غريبة والموسيقى الصاخبة والمأكولات الغربية، فكل هذا ظلام من الغرب، وأيضا كتاب «الحق المر» فكان والدي يقول ـ دائما ـ الحق، ولكن كان يوجهنا أولا للعمل الصحيح وعدم الخطأ في الحياة، وبالتالي ستجبر على عمل الصحيح فقط عندما ترى الخطأ، فمثلا طلب مني الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس أن أترك الحجاب، فرفضت واستأذنت والدي الذي تركني أعمل الأصح فقط.
كيف كان لقاؤك مع محمد عبد القدوس، وكيف تم التعارف وما هو موقف الأب خاصة وأن الأبوين لهما وجهة نظر مختلفة إلى حد ما؟
الأستاذ محمد عبد القدوس التقى والدي في مسجد عمرو بن العاص، وأعجب به وتوثقت العلاقة عندما عمل محمد في الصحافة مع والدي، وكان يزورنا في منزلنا، وهكذا تعرفت عليه في حضور والدتي رحمها الله ووالدي وإخوتي، ثم كانت ابتسامة فلقاء فحب فزواج.
ما المسموح به والممنوع في فترة الخطوبة؟
لم تكن هناك فترة خطوبة، فلا توجد خطوبة في بيت والدي، حيث يتم عقد القران مباشرة، وبعد حوالي شهرين تم الزفاف.
ما رأى الشيخ محمد الغزالي في كتابات إحسان عبد القدوس؟
كتابات الراحل إحسان عبد القدوس، وحياته الشخصية مختلفة تماما. كان رجلا عظيما وكريما وطيبا ومحترما، وكان يحترم الأعياد الدينية ورمضان وكان كثير الإنفاق في المواسم الدينية، وكان والدي الشيخ محمد الغزالي مستقرا في الإقامة بالمملكة العربية السعودية، اتصل به عبد القدوس، وابلغه أن وجودي في منزله بركة كبيرة جدا، وكان يشكوني لوالدي من كثرة العبادة التي أقوم بها بالليل أثناء أشهر الحمل، وكانت صلاتي في مكتب الراحل إحسان عبد القدوس وإذاعة «نداء الإسلام» السعودية مفتوحة دائما، وقد طلب مني الراحل عبد القدوس عدم ترك السرير في تلك الأيام، ولكني رفضت، واستمررت في الصلاة والتسبيح والشكر لله وقراءة القرآن فهذا هو حق الله عليَّ.
وعندما كنت ذات يوم أقرأ القرآن قال لي ما هذه السورة التي تقرئينها الآن؟
قلت له سورة الشعراء، فقال هل الشعراء لهم سورة بالقرآن؟ قلت له اسمها سورة الشعراء، وبدأت أقرأ له آيات منها وهي {والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين} فبكى، وقال هذا كلام في القرآن؟ وقال على الفور: نحن سنعمل عمرة هذا العام، وسأقوم بقراءة وسماع القرآن الكريم، وأخذ يمتدح والدي الإمام الغزالي، وقال إنه أرسل له هدية من السماء في هذا البيت، وكان يتعجب من طول فترة صيامي النهار في الصيف القائظ، فالراحل تلقى تعليمه في مدارس الليسيه ولكنه حفظ بعض القرآن.
إذاً أحدثت انقلابا في حياة الكاتب إحسان عبد القدوس وفي بيته؟
نعم والحمد لله تم ذلك بهدوء، وقد أحب الإسلام مني، فأكثر من قراءة القرآن، وأعطاني مبالغ كبيرة لأنفقها في سبيل الخير، وفي رمضان نعمل حفلة يتم دعوة علماء الإسلام، والكاتب الراحل إحسان عبد القدوس الذي كان متدينا بعقله وفطرته، حيث كانت الكتابة هوايته، من الجانب الآخر كتابة سياسية أدبية، وأحب الشيخ الغزالي الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس من كثرة حب الراحل لي، وقد كان الكاتب الراحل يحثني دائما على الاهتمام بمظهري، حيث يزور البيت دائما وزراء وسفراء وكبار القوم، وكان الراحل يتصدق في رمضان بالكثير من المال.
بعيدا عن حياة الزوجية والأبناء ما الدور الاجتماعي الذي تقومين به في الحياة العامة؟
لي دور في الحياة العامة أفضل ألا أفصح عنه، وأقوم بنصح السيدات اللاتي أعرفهن لكي أعرفهن الحياة الدينية ؛ حيث إن معلوماتهن الدينية قليلة، وأقوم بتعليمهن الدين الإسلامي من الألف إلى الياء.
تسمعين الآن عن الداعيات سواء الفنانات المعتزلات أو غيرهن، فهل فكرت في أن تقومي بهذا الدور حيث إنك ابنة داعية إسلامي كبير؟
لم أفكر أبدا في هذا الدور، أنا أنصح فقط المقربين مني، ولا أتطرق سواء للحلال أو الحرام وأحترم كل فنانة تعتزل الفن، وأدعو لها أن يثبت الله أقدامها، حيث إنني لا أشاهد التليفزيون أو الفضائيات؛ لأنني مشغولة بقراءة القرآن، والصلاة وأقرأ كتب والدي رحمه الله، وأنا لا أعرف من الفنانات المعتزلات سوى ياسمين الخيام، حيث إنها قريبة لنا. وعلى الجانب الآخر أحترم السيدة شمس البارودي، والسيدة حنان ترك والسيدة هناء ثروت، ومن تعتزل الفن فلا بد أن نأخذ بيديها.
ما مدى العلاقة العملية التي تتم فيها المناقشة مع الزوج محمد عبد القدوس؟
زوجي انتقل نقلة كبيرة جدا خلال الثلاثين عاما الماضية، حيث إنه كان ابن نادي الجزيرة، وهو الآن في قمة التواضع، يصلي بانتظام ويقرأ القرآن بفضل الله تعالى.
ما وجهة نظرك فيمن يهاجمون الإسلام من زاوية قضايا المرأة؟
هم لا يفهمون شيئا بمناداتهم بالفصل بين الدين والدولة، وبفصل الإسلام عن الحياة، فالإسلام هو الحياة، وربنا معنا أينما كنا وفي كل وقت.
الاختلاف بينكما كان كبيرا، فكيف نجحتما في اجتياز هذه الخلافات؟
بحمد الله وتوفيقه، كان الناس يراهنون على فشل هذا الزواج، ويقولون: إن عمره لن يتجاوز أياما أو أسابيع، وعندما انقضت أشهر قالوا: بعد عامين على الأكثر سيتم الانفصال، ولكن قدرة الله كانت أكبر منهم، فقد ثبَّت أقدامي في هذا المنزل، وأنجبت محمدا وهو إعلامي مثل والده.
نشأتك في المملكة العربية السعودية كيف أثرت فيك؟
ولدت بالمدينة المنورة، وعشقت سماع إذاعة «نداء الإسلام» السعودية، وأحتفظ في دولابي بماكيت للكعبة المشرفة وصور لملوك السعودية، وحبي للسعودية جعلني أذهب إليها كل عام، فأذهب للصلاة وقراءة القرآن والتعبد فقط وأرفض أن يعرف مكاني أحد؛ حتى لا أنشغل بغير العبادة، فلا بد للإنسان أن يؤدب نفسه، ويعوِّدها من الصغر على قراءة القرآن والصلاة.
ما أهم القضايا الخاصة بالمرأة العربية والإسلامية بصفة عامة في هذه المرحلة؟
أتألم من ملابس المرأة الكاشفة جسدها، ويظهر ذلك في المؤتمرات العامة، وأيضا صبغات الشعر، وهذا مقزز جدا؛ حتى أنها فقدت احترامها وهيبتها، فمن الممكن أن نتجمل لكن بطريقة محترمة غير لافتة للنظر، وفيها احتشام وما الداعي للبذخ في عمليات التجميل؟
ما الذي تأملين فيه في المرحلة القادمة دعما لقضايا المرأة؟
أتمنى أن يدخل نور الله قلوب النساء؛ لأنه سيضفي عليهن راحة نفسية واسعة، وأن ترضى كل سيدة بما قسم الله لها؛ لتكون أغنى الناس.[/color]
مواقع النشر (المفضلة)