بعض الأفراد يحلمون بعودة الزمن إلى الوراء من جديد متسائلين بينهم وبين أنفسهم: هل يمكن أن يحدث ذلك؟ وأحياناً ما يسأل الفرد نفسه: هل يمكن أن أعود إلى الماضي وأغير بعض الأفعال كإعادة حديثي مع رئيس العمل أو الرد على البريد الإلكتروني الخاص بي بطريقة مختلفة أو أعاود اللعب بطريقة مختلفة في لعبة “اليانصيب”، فربما أن أكون من الفائزين. هي أحلام أحياناً ما تنتاب الفرد في مخيلته وتدعوه للتأمل في إمكانية حدوث هذا الحلم وماذا يحدث له لو تحقق. فربما تتغير طريقة حياته كلية، إلا أن بعض الأفراد يرون ذلك مستحيلاً بل إن التفكير فيه يكون بمثابة أمر مثير للسخرية فما حدث من أفعال في الماضي حدثت وانتهت ولا يمكن تعديلها أو تغييرها.

وتثير مسألة العودة إلى الماضي نقاشاً وجدلاً بين الفلاسفة وعلماء الفيزياء، وتكمن المشكلة في أنه إلى الآن لا توجد حالة واقعية يمكن الاعتماد عليها ودراستها لتأكيد إمكانية هذه العودة ومن ثم فإن المجال لا يزال مفتوحاً أمام الجميع لإثبات تلك النظرية.

وتعتمد فكرة علماء الفيزياء على استخدام “الريتروكاوساليتي” وهي فكرة أقر بها الفيزيائيون خلال تجاربهم المتعددة لإثبات مدى إمكانية استخدام قوانين الطبيعة للسفر عبر الزمن في الماضي والحاضر والمستقبل وكيف تؤثر مكونات الزمن الثلاث في بعضها بعضاً. والفكرة تقوم على إمكانية تأثير الماضي في المستقبل أو العكس، لأن “ريتروكاوساليتي” معروف في قوانين الطبيعة، ونوقشت تلك الفكرة على مدى عقود ولا سيما في مجال فيزياء الكم والفلسفة واستخدمت الفيزياء الذرية التجريبية من خلال إسقاط أشعة من الفوتونات على كريستال لمعرفة اتجاهات الفوتونات عبر الزمن.

ويرى بعض الباحثين في مجال الفيزياء الطبيعية أن تحقيق هذا الأمر أصبح قريباً جداً من دون الاعتماد على نظرية “الثقوب السوداء” متعددة الأبعاد لإثبات عبور جزيئات الجسم خلال وحدة الزمن وهي ظاهرة تسمى “ريتروكاساوليتي” أو “سببية العودة إلى الماضي” وهي نظرية فيزيائية لو تحققت كما يقول أحد علماء الفيزياء سوف تؤدي إلى انقلاب في قوانين الطبيعة الفيزيائية في علاقتها بالزمن كما ستؤدي إلى تفسير جديد حول عمل الطبيعة في الكون.

وبالرجوع إلى قوانين الحركة “لإسحاق نيوتن” نجد أن قوانين “تماثل وحدة الزمن” التي توصل إليها كانت تعمل على أساس عدم وجود اختلاف في أداء العمليات الخاصة بالمستقبل والحاضر وأدت تلك القوانين فيما بعد إلى ابتكار “ألبرت أينشتين” النظرية النسبية التي تعتمد على الأبعاد الأربعة في الفضاء الزمني.

وفي النموذج الخاص بنظريته نجد أن الزمن في الماضي والحاضر والمستقبل متساو ويصبح النظر إلى الكون من وجهة نظر فيزيائية بمثابة “وحدة زمنية مغلقة” يتساوى فيه الحاضر بالمستقبل.

ومن تلك الوحدة الكونية المغلقة لا يصبح هناك فرق بين الماضي والحاضر والمستقبل زمنياً من وجهة نظر الأفراد.

ووفقاً لنظرية “ميكانيكا الكم” في علم الفيزياء التي ظهرت في عشرينات القرن الماضي فإن هناك علاقة بين الجسيمات الموجودة في الذرة كالبروتون المكافىء لجسيم الإلكترون في الطاقة والذي باستطاعته السفر عبر الزمن سواء للماضي أو المستقبل.

وتعتمد تلك النظرية على ميكانيكا الكم وهي نظرية فيزيائية أساسية، جاءت كتعميم وتصحيح لنظريات نيوتن الكلاسيكية في الميكانيكا وخاصة على المستوى الذري ودون الذري وتسميتها بميكانيكا الكم يعود إلى أهمية الكم في بنائها وهو مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمية يمكن تقسيم الأشياء إليها، ويستخدم للإشارة إلى كميات الطاقة المحددة التي تنبعث بشكل متقطع، وليس بشكل مستمر.

وأكد تلك الحقيقة الفيزيائي “كاسلاف بروكنر” في جامعة فيينا بالنمسا، إذ أشار إلى أن تلك الجزيئات لها القدرة على السفر عبر الزمن من خلال ظاهرة الزمن العكسي بمعنى أن لها القدرة على السفر إلى الماضي والمستقبل في آن واحد.

وحاول “ريتشارد فينمان” من خلال عدة تجارب قام بها أن يثبت تلك الحقيقة واستكمل تجاربه فيما بعد أحد الفيزيائيين في جامعة برينستون الأمريكية الذي أشار إلى إمكانية استخدام النظرية الكمية في علم الفيزياء للسفر عبر الزمن من خلال الديناميكية الكهربائية للموجات الكهربائية التي تسافر عبر الزمن.

وتقوم التجربة على أساس تمرير بعض الفوتونات من خلال فتحتين مستطيلتين ثم نلاحظ تحول الفوتون إما إلى جسيمات أو موجات ولو وضعنا شاشة خلف الفتحتين المستطيلتين اللتين يمر منهما الفوتون نلاحظ وجود حزمة من الضوء والعتمة حيث إن الفوتون تحول عبر الفتحتين إلى جسيمات أو موجات.

من الممكن متابعة سلوك “الفوتون” بعد ذلك من خلال رصد تحوله إلى جزيئات أو موجات، وفي عام 1986 قام “كارول ألي” من جامعة ميرلاند باختبار تلك التجربة من خلال تمرير حزمة متزايدة من الفوتونات وتأكد أن الفوتونات تأخذ مسارها بعد مرورها من الفتحات الضيقة في شكل موجات أو جسيمات يمكن استخدامها فيما بعد في تحديد كيفية تأثير الزمن الحاضر في الزمن المستقبلي. وعلى الرغم من أن التجربة أثبتت تحول الفوتون بعد مروره بفتحات ضيقة مستطيلة إما على شكل موجات أو جسيمات إلا أن هذا التحول لم يعرف أيهما فيه يحدث أولاً قبل الآخر.

وفي منتصف عام 1980 عرض “جون كرامر” الفيزيائي بجامعة واشنطن في سياتل تفسير التحول الزمني لنظرية ميكانيكا الكم في مجال الفيزياء الطبيعية وذلك ضمن محاولات عديدة لتفسير الفكرة في الواقع.

وأشار الى أن الجزيئات تتفاعل مع بعضها بعضاً وتستقبل وترسل موجات فيزيائية لها القدرة على التحرك في الزمن الماضي والحاضر وقدم تجربة عملية عن دمج جزئيات الذرة مع الأمواج الفيزيائية معاً أمام الجمعية الأمريكية للعلوم المتطورة أثبت من خلالها أن جسيمات الذرة تتفاعل مع الأمواج الفيزيائية بعد ملاحظة وجود بعض الإشارات الناتجة عن تفاعل الجسيمات مع الأمواج الفيزيائية خلال الماضي.

وحاول بعض الفيزيائيين في عدة جامعات أمريكية وأوروبية إجراء تجارب حول علاقة الطاقة الصادرة من جسيمات الذرة بالزمن عن طريق دمج جسيمات الذرة مع الأمواج الفيزيائية ومن خلال استخدام أشعة ليزر الفوتونات من خلال بعض الفتحات واستخدام كشافات متحركة وثابتة لاثبات عدم اختلاف وحدة الزمن عند تحول الفوتون إلى موجة فيزيائية أو جزيء. ويرى بعض الفيزيائيين أن نجاح تلك التجربة في رؤية تحول شكل الفوتون يمكن أن يؤدي إلى ملاحظته بالعين المجردة فيما بعد.

وعلى الرغم من تشكيك بعض العلماء في إمكانية حدوث تلك التجربة إلا أن البعض الآخر يرغب بشدة في رؤية تلك التجربة والتعرف اليها فقط لمجرد التعرف إلى ترجمة التحول العكسي للزمن من خلال التجربة. ويحذر البعض من خطورة تلك التجارب في حياة الأفراد، إذ إن نجاح تلك التجربة تعني إمكانية الإبحار في الزمن وهو ما يعني إجراء تحولات قد تكون غير مرغوبة بالنسبة لبعض الأفراد الذين قد يقومون في حال رجوعهم إلى الماضي ببعض الأفعال التي قد تكون عكس خياراتهم تماماً وتدمر القوانين الخاصة بالطبيعة. بعض الباحثين يرى أنه لو كانت ظاهرة “ريتروكوساليتي” الفيزيائية بأنها لو كانت قادرة على إثبات أن الحاضر قد يؤثر في الماضي إلا أنه لن يكون قادراً على تغييره فالفرد الذي يقصر شعره اليوم لن يكون قادراً على تغيير طوله غداً إذا عاد إلى الماضي. ويؤكد بعض الباحثين في جامعة استراليا أن الفرد ليس بمقدوره تغييره وكذلك ليس بمقدوره تغيير المستقبل، وتعتبر مشكلة تغيير أحداث ماضية في حياة الفرد من المشكلات الفيزيائية التي تواجه علماء الفيزياء في مركز الزمن بجامعة سيدني باستراليا.

وتؤثر الجزيئات في بعضها بعضاً بطريقة لحظية لا يمكن رؤيتها أو مشاهدتها إلا أن سرعة الموجات الضوئية أقوى من السرعة التي تتحد بها الجزيئات وتعمل بها معاً داخل الذرة وتؤكد التجارب الفيزيائية التي أجريت مؤخراً أن تأثير الجزيئات تؤثر في بعضها بعضاً بصورة لحظية. ويناقش الفيزيائيون حقيقة أنه لا توجد معلومات بخصوص تحول الذرات إلى الأعلى أو الأسفل ولكنها تتحرك بصورة عشوائية بطريقة لا يمكن التحكم فيها. وظاهرة “ريتروكوساليتي” الفيزيائية تقدم عدة تفسيرات لحركة الجزيئات، إذ ترسل تلك الجزيئات إشارات إلى الماضي خلال وحدة الزمن في أبعادها الأربعة وفقاً لما تنص عليه قوانين نظرية الكم، وهي ظاهرة فيزيائية تعطينا تفسيراً بسيطاً لما يمكن أن يكون عليه شكل الجزيئات في تحركاتها المتباينة خلال الزمن. ويعتقد الكثير من العلماء وعلى رأسهم الفيزيائي “كرامر” أن تجربته عن “ريتروكوساليتي” في حال إثباتها ونجاحها مستقبلاً ستزيد من احتمالات تحقيق حلم العودة إلى الماضي في الواقع. وسيتزايد دور تلك الظاهرة في علم الفيزياء لأنها ستغير كثيراً من نمط تفكيرنا حول الكون وظواهره المختلفة.

وتجيب ظاهرة “ريتروكوساليتي” عن العديد من الأسئلة الغامضة في الكون حول أسباب وجودنا فيه، ولماذا وجدنا على هذا الشكل ولم نوجد على شكل غيره من خلال رؤية ومحاولة تغيير المستقبل؟ وهذا هو جوهر ما يسعى الفيزيائيون لتفسيره رغم صعوبة وجوده على أرض الواقع.

ويسعى الفيزيائيون،أيضاً، لتفسير حالة التناغم التي توجد عليها الظواهر الكونية من خلال تلك الظاهرة ومعرفة أسباب خلخلة بعض الظواهر الكونية وحدوثها من خلال العودة إلى الماضي ومعرفة أسبابها بغرض الوقوف على التحديات التي تواجه الكون في المستقبل ومن هنا، وكما يرى بعض العلماء، هناك تناغم واضح بين تأثير الحاضر في الماضي والمستقبل على حد سواء في حال إثبات العلماء وجود ظاهرة “ريتروكوساليتي” في الواقع العملي.