تقتضي الظروف..
أن أعيش كآلة..
صنعها قدري..
ونزع غلافها بوحشية ..
مآسي حياتية..
آلة
تستيقظ صباحاً..
لتعمل..
تتكلم..
تغضب..
تأكل..
تتعب..
تنام..
تنخمد ليلاً..
آلة
جردوها من كل حاسة..
وحرموها من كل رغبة..
لا تحمل من الإنسانية..
سوى مظهر خارجي..
يوحي ببراءة مسلوبة عنوة..
دموع إنسان آلي تنحدر..
على صدر من حديد..
تنزلق لتعانق..
أرضية من سيراميك..
وإن تحركت مشاعره صدفة..
تناول منديلا من ورق..
يتمزق كمداً من شظايا عينيه..
إنسان آلي..
يتعايش رغماً عنه..
مع تفاصيل إنسان..
يلفه وشاح من سواد..
تترجاه أزرار النور..
أن يضرب عليها..
تستصرخها صوفا باكية..
تحلم قبل فناءها بومضة ضوء..
تناجيها ملابس بالية..
تواسيها شماعة منتحرة وقوفاً..
تقتضي الظروف..
أن أتعايش يومياً..
مع هذا الخوف..
وساوس فردية..
خلقتها خلفيات..
مجتمع قهري..
وشدت مساميرها..
عقول متحجرة ..
وأحكمت قبضتها ..
تقاليد فانية ..
في غـرفـتـه..
وسائل رفاهية خلقت لراحته..
يجدها تتقزز منه..
هواء رطب ..
ينفثه تكييف مُصنّع آسيوياً..
قدماه فقدتا حساسيتهما ..
ويداه يتجافيان عن مقودها..
تسير به ..
لا هو يسير بها..
تتحرك داخله..
غريزة واحدة ناجية..
من غرائزه المكبوتة ..
يأكل من أجل البقاء..
ولا غيره..
يدلف لمطعم رتيب..
ابتسامة نادل مصطنعة..
خدمة ذاتيه..
تملي عليه أن ينتظر..
يحمل زاده لطاولة في ركن بعيد..
يزيح من أمامه جريدة مبعثرة ..
يجلس على كرسي شبه أعرج ..
يقذف في أحشاءه ..
بملعقة من بلاستيك..
كسرات من خبز مُصَنّع آليا..
ليمتزج في جسده..
بقايا دم إنسان مع نتاج آلات..
ركام السنين..
ماذا يصنع بآله..
قلب صدئ..
وفكر أجزاءه تراخت..
وروح فقدت معنى التآلف..
أصبح على شفا موت وحياة..
أي لذة..
يعيشها إنسان آلي..
مجبر على السير عنوة..
لو التفت عنقه المتحلل..
للوراء..
لاموه: لمَ تنظر للوراء؟
أنظر للأمام!!
أمامك أجندة طويلة..
عليك إنهائها ..
بدايتها منذ سنين..
وحتى تصل لنهايتها..
سيمضي عمرك يا مسكين ..
نفذ مهام تكبل يداك..
حتى تكل..
وحين تعود..
ترتمي على سرير خشبي..
ترفع عيناك لسقف مستعار ..
يزينه ديكور شاحب ..
تستسلم للأفكار..
يصرخون: توقف..
يطالبوك بأن توقف أفكارك..
حتى الأفكار..
حرموني إياها..
أريدها ولو كانت أفكارا مريضة..
يكفي أنها من صنعي..
لا من صنع آلة حياتكم القذرة..
ماذا أنا بلا عقلي..
مجنون!
وهل سألتم المجنون ..
عن سبب جنونه..
رحمتكم بي أنا..
ولو كنت في نظركم آلة..
فلازال في عيناي دموع..
هي ما تبقى ..
وللدموع حرارة..
ولو كانت دموع إنسان آلي..
حتما سينصهر منها جسده يوما..
ولو كان من حديد ..
يذوب يتلاشى..
ثم يعود عنصراً..
تبتلعه أرضٌ ..
لفظته من جوفها ..
قبل زمن مفقود..
احســاس خــالــد..
مواقع النشر (المفضلة)