الرهن

**حبيبتي حطمتني** · 18-11-2006, 04:09 PM

لا نسمع بالرهن كثيرا مثلما نسمع أيام الآباء والأجداد، حيث كانوا يرهنون بيوتهم وأراضيهم وذهبهم وغيرها، إزاء ما كانوا يحصلون عليه من قروض أو تسهيلات أخرى في حياتهم اليومية.

لكننا يمكننا ان نسمع به اليوم إذا دخلنا البنوك (قسم بيع وشراء السيارات) حيث ان طوابير الشباب يقفون ليشتروا السيارة الجديدة، والسيارة الجديدة لا تسجلها ادارة المرور باسم مالكها، طالما لم يسدد أقساط الدفع.

إذن تظل السيارة مرهونة لدى البنك، وليس لمالكها حق التصرف فيها بالبيع أو الهبة، بل الانتفاع بها فقط وفق ما اتفق عليه الطرفان.

فيا ترى ما مفهوم الرهن في الفقه الاسلامي وفي حياة الناس اليوم ونحن في القرن الخامس عشر الهجري؟

ورد في تعريف الرهن لغة بأنه الثبوت والدوام، ويأتي بمعنى الحبس واللزوم ايضا، فيقال: ماء راهن أي: دائم، ونعمة راهنة: أي ثابتة، وقوله تعالى: “كل امرئ بما كسب رهين” أي محبوس به. أما في الشريعة الاسلامية فإن الرهن عرف بأنه جعل عين مالية وثيقة بدين يستوفى منها أو من ثمنها إذا تعذر الوفاء.

وبناء على هذا فإن الضمان من الألفاظ ذات الصلة بالرهن، لأنه التزام بحق ثابت في ذمة الغير أو باحضار من عليه الحق.

هذا والقرآن الكريم أشار الى مشروعية الرهن بقوله تعالى: “فرهان مقبوضة” (سورة البقرة: 223). وقد ورد ان الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي الى أجل ورهنه درعا من حديد (رواه البخاري). والرهن مشروع بالاجماع ايضا منذ عهد الرسول الى يومنا هذا نظرا لحاجة الناس اليه.

أما أركان الرهن عند الجمهور فهي أربعة: الراهن والمرتهن والمرهون والمرهون به، ويضاف اليها الايجاب والقبول اللذان ينعقد بهما الرهن.

وقال المالكية والحنابلة بأنه ينعقد بالمعاطاة وبكل ما يدل على الرضا. وقال الشافعية بأنه لا ينعقد إلا بالايجاب والقبول لأنه عقد مالي كالبيع.

ثم اشترطوا في الراهن والمرتهن ان يكونا بالغين عاقلين رشيدين مطلقي التصرف.

واشترطوا في المرهون:

ان يكون مالا متقوما، فلا يصح رهن الخمر والميتة مثلا.

ان يكون موجودا وقت التعاقد.

ان يكون مملوكا بنفسه للراهن، بخلاف رهن حطب وصيد، لانتفاء الملكية الخاصة فيه.

ان يكون معلوما.

ان يكون مقدور التسليم.

ان يكون مقبوضا في يد المرتهن أو عند شخص مؤتمن.

أما المرهون به فاشترطوا فيه:

أن يكون حقا واجب التسليم الى صاحبه دينا كان أو عينا.

ان يكون مضمونا في الحال لا في المستقبل عند الشافعية والحنابلة، أما الحنفية والمالكية فقد أجازوا الرهن بالدين الموعود به لأنه يأخذ حكم المضمون في الحال.

ان يكون معلوما للراهن والمرتهن.

وقد اجاز الفقهاء رهن المستعار اذا كان بإذن المعير، ويشترط عندئذ عند الشافعية ان يذكر قدر الدين وجنسه وصفته وحلوله وتأجيله والشخص المرهون عنده ومدة الرهن. أما الحنفية والمالكية والحنابلة فلم يشترطوا شيئا.

وبقي ان نفهم ان نماء الرهن المتولد منه يدخل في الرهن كما يروي الدكتور وهبة الزحيلي عن أصحاب المذاهب الفقهية.

أما نفقة المرهون فيتحملها الراهن طالما هو باق عنده ولمصلحته.

ويقول الاحناف بأنه لا يجوز للراهن ولا للمرتهن الانتفاع بالمرهون مطلقا إلا بإذن الآخر لأنه ربا.

ويقول المالكية ان غلات المرهون للراهن، وتجوز للمرتهن بشرط ان يذكر ذلك في العقد وتكون المدة معينة، ويكون المرهون به دين قرض.

والشافعية قالوا: ليس للمرتهن في المرهون إلا حق الاستيثاق، وللراهن حق الانتفاع كاملا.

والحنابلة قالوا بأن للراهن والمرتهن حق الانتفاع بإذن الآخر في غير المركوب والمحلوب.

وقال الفقهاء بأن الراهن ليس له حق التصرف في المرهون كالبيع مثلا إلا بإذن المرتهن. والمرتهن عليه ان يحفظ المرهون بما يحفظ ماله عادة.

وينتهي الرهن بتسليم المرهون لصاحبه، أو بتسديد الدين كاملا أو بالبيع الجبري أو الاختياري أو بالبراءة من الدين أو بالفسخ من قبل المرتهن.

ويقول الدكتور وهبة الزحيلي بأن الرهن المعاصر نوعان: حيازي وتأميني، فالحيازي هو الرهن المتعارف عليه منذ القدم، والرهن التأميني هو عقد يكسب به الدائن حقا عينيا في استيفاء حقه من ذلك العقار مثلا، ويشمل هذا الرهن ملحقات العقار المرهون من ابنية وغراس وغيرها.

كما يشمل هذا الرهن المنقول مثل الطائرات الخاصة والسيارات، لأنها تسجل في سجل معين كالعقار.