يعتبر الذهب من أهم مظاهر الزينة والجمال، وظاهرة استخدامه في صنع المشغولات قديمة عرفتها كل الحضارات. حمل الإنسان الحلي والمجوهرات الذهبية منذ عصور بعيدة، واستخدم الذهب في مجالات عديدة من مجالات التزيين، كما شاع استخدامه فيما بعد في التعامل التجاري ثم المادي. وللذهب أهمية خاصة بسبب جمال بريقه، ونعومة ملمسه، إضافة إلى ندرته وتميزه عن بقية المعادن لأنه يتصف بمقاومته للصدأ أو التلف، ويحتفظ ببريقه حتى لو وضع في ماء البحر لمئات السنين. ويتميز الذهب بقدرته على تحمّل درجات الحرارة العالية، وفي الوقت نفسه يتصف بمرونته أثناء صهره لتحويله إلى مشغولات متنوعة، وهذه المواصفات رفعت ثمنه وجعلته ثروة مجمّدة في الحقائب ووسائل الزينة.
وعرف العرب الذهب منذ زمن بعيد، واكتشفوا مزاياه وخواصه، واستخدموه في أغراض متعددة شملت حتى الصناعات الطبية والدوائية، وسخروه لعملتهم وبناء حضارتهم المزدهرة. وفضلاً عن وظيفته الأساسية كمادة للتزيين، ازدادت الاستخدامات الصناعية للذهب في عصرنا الحاضر، وبات يظهر في مجالات متعددة، وسمحت خواصه المتميزة بأن يستخدم بشكل واسع كمادة أولية صناعية.
ويحمل الذهب أسماء كثيرة عند العرب، منها “النضاء” و”العسجد” وهذا الاسم كان يطلق على الجواهر بكل أنواعها، و”السحالة” وهي تراب الذهب، و”الإبريز”، والاسم مشتق من كلمة برز ويبرز وكأنه “أبروز” من التراب المخلوط فيه، و”العقبان” وهو الذهب الخالص. والعرب رفعوا من شأن الذهب وميزوه عن “التبر” باعتبار أن التبر هو الذهب المستخرج من الأرض والمختلط مع التراب والمعادن الأخرى، وعن معنى كلمة الذهب يقول العرب القدماء إنه سمي كذلك لأنه سريع الذهاب، بطيء الإياب على أصحابه، وقيل أيضاً إن من يره يبهت ويذهب عقله، والقول الثاني هو السائد في الوثائق المدوّنة.
عملة خاصة: لم يكن لدى العرب قبل الإسلام عملة خاصة بهم، وكان التعامل يتم بنوعين شائعين من النقد في ذلك الوقت، وهما الدراهم الفضية الساسانية والدنانير الذهبية البيزنطية. واستمر هذا الوضع حتى عهد الخليفة عمر بن الخطاب، إذ ظهرت بعد فتح المسلمين لأقاليم الدولتين البيزنطية والساسانية، بعض المحاولات لتعريب النقود وإضافة العبارات التي تدل على وحدانية الله عز وجل، واستمرت محاولات التعريب في عهد الخليفة عثمان بن عفان، إلا أن التعريب الكامل تم في حقبة الخليفة عبدالملك بن مروان الذي أصدر أول نقود عربية إسلامية كضرورة من ضرورات الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتم التعريب سنة 77ه واحتلت الكتابات العربية وجهي الدنانير، واختفت الصور التي استبدلت بها آيات من القرآن الكريم وعبارات التوحيد لله، وأثبتت التحليلات العلمية الحديثة معرفة العرب والمسلمين للميزان المضبوط الذي استعمل في بداية اكتشافه في صنع عملاتهم الذهبية.
وكان لتعدد المميزات والخواص الطبيعية لمعدن الذهب دور أساسي في جعله المادة الأساسية لأي صائغ مجوهرات ليستطيع أن يوظف مواهبه ويقدّم أجمل الحلي والمجوهرات وأرقاها، كما أن جاذبية هذا المعدن البراق وندرته جعلتا منه سلعة موثوقة في كل العصور والبلدان. ومن بين كمية تصل إلى 1200 طن من هذا المعدن المتميز توضع سنوياً للتداول من قبل البلدان المنتجة، يتحول 350 طناً فقط إلى سبائك ومسكوكات وطنية وميداليات وعملات نادرة، بينما يستهلك أصحاب المشاغل الذهبية في العالم ما يقارب 600 طن، أي نصف الكمية المنتجة، أما الباقي وهو 250 طناً فإنه يستخدم لأغراض مختلفة أخرى، فعلى سبيل المثال يستخدم الذهب في الصناعات الدوائية، إذ تختلط كميات صغيرة جداً مع بعض الأدوية المخصصة لعلاج التهاب المفاصل الروماتزمي أو الأورام الخبيثة، ويستهلك طب الأسنان كميات تبلغ أكثر من 50 طناً.
صناعات متطورة: يتصاعد سنوياً استهلاك الذهب في مجال الصناعات الدقيقة المتطورة، كالحاسبات الإلكترونية والصناعات الفضائية، بعدما عجز القيّمون على هذه الصناعات عن إيجاد بديل لهذا المعدن يحمل الخواص نفسها، كالمقاومة العالية للصدأ، والمرونة الحرارية والكهربائية المفضلة في مثل هذه الصناعات.
مواقع النشر (المفضلة)